نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate واقي ان

الأربعاء، 1 مارس 2023

ذيول العبر/الذيل الأول والثاني- للذهبي[[الذيل الأول: من سنة 701 إلى سنة 740 .]]

ذيول العبر/الذيل الأول- للذهبي[[الذيل الأول: من سنة 701 إلى سنة 740 .]]
وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم
سنة إحدى وسبعمائة
دخلت وسلطان الإسلام الملك الناصر نصره الله، ونائبه سلار، ونائبه بدمشق الأفرم. فقتل بمصر على الزندقة الذكي المتفنن فتح الدين أحمد بن البققي. وما تحرك العدو العام. وأسلم بدمشق ديان اليهود العالم عبد السيد وبنوه، وخلع عليهم النائب، وضربت وراءهم الدبادب وهم راكبون. وأسلم معه نسيم الدباغ وأولاده، والعابد جمال الدين داوود الطبيب. وجاء دمشق جراد عظيم فما ترك حشيشة خضراء، وأكل أكثر ورق الأشجار، وأكل الدراقن، وبقي حبه في الأغصان، ورأيت بعض الحب قد أكل نصفه، وكان ذلك عبرة.
وفيها توفي صاحب مكة، عز الدين أبو نمي محمد ابن صاحب مكة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني، من أبناء السبعين، وكان أسمر، ضخما، شجاعا، سائسا، مهيبا. ولي أربعين سنة. قال لي الدباهي: لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته.
وماتت خديجة بنت الرضي عبد الرحمن بن محمد، عن أربع وثمانين سنة. روت عن القزويني، والبهاء، وجماعة. ومات بمصر علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية الشاهد، عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن الموفق عبد اللطيف، وابن روزبه.
ومات أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي بن أبي بكر بن المسترشد بالله العباسي في جمادى الأولى. وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفي بالله سليمان. كانت خلافته أربعين عاما.
ومات مسند الشام، تقي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري الصالحي الحنبلي، في جمادى الآخرة، عن أربع وثمانين سنة. روى عن الشيخ الموفق حضورا، وعن ابن أبي لقمة والقزويني والبهاء وأبي القاسم بن صصرى. خرجوا له مشيخة.
ومات الشيخ الابن محمد بن عثمان بن المنجا التنوخي، رئيس الدماشقة، عن إحدى وسبعين سنة. حدثنا عن جعفر الهمداني وغيره. وهو واقف دار القرآن.
ومات شيخ بعلبك الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الحنبلي في رمضان، من ضربة مجنون في رأسه بسكين، فتوفي بعد ستة أيام عن إحدى وثمانين سنة. كان إماما فاضلا. كثير الفضائل والمحاسن. حدثنا عن البهاء حضورا، وعن ابن صباح، وابن الزبيدي، وعدة، ودرس، وأفتى.
ومات بمكة في العشرين من ذي الحجة مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي، عن سبع وثمانين سنة. حدث عن الفتح بن عبد السلام وأحمد بن صرما وابن أبي لقمة والفخر بن تيمية وعبد القوي بن الحباب. وتفرد بأشياء. وكان مقرئا صالحا متواضعا فاضلا. رحمه الله.


سنة اثنتين وسبعمائة
فيها وسط اليعفوري والقباري وقطعت يمين التاج الناسخ لدخولهم في تزوير وتخويف الأفرم من كبار عماله عليه.
وطرق قازان الشام فالتقى يزكه ويزك الإسلام بعرض، ونصره الله، وقتل من التتار خلق، وأسر مقدمان، وعلى يزكنه سيوف الدين: أسندمر، وكجكن، وغرلو، وبهادر آص في ألف وخمسمائة فارس. وكان العدو نحو أربعة آلاف، وتأخر جند الأطراف إلى حمص. ثم جهز قازان جيوشه مع نائبه خطلوشاه فساقوا إلى مرج دمشق. وتأخر المسلمون، وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة بالله، وخطب شديد، وقدم السلطان وانضمت إليه جيوشه والجفال، فكان المصاف على شقحب، فهزم العدو الميمنة، واستشهد رأس الميمنة الحسام استاددار في جماعة أمراء، وثبت السلطان كعوائده، ونزل النصر. وشرع التتار في الهزيمة في ليلة ثاني رمضان، وتبعهم المسلمون قتلا وأسرا، ومزقوا كل ممزق، وتخطفهم الناس إلى الفرات، وسلم شطرهم في ضعف شديد وجوع وحفا ووقوف خيل. ثم دخل السلطان والخليفة راكبين والحمد لله.
ومن الشهداء: الفقيه إبراهيم بن عبيدان، والأمير صلاح الدين ولد الكامل، والأمير علاء الدين علي بن الجاكي، والأمير حسام الدين أوليا بن قرمان، والأمير سنقر الكافري، وعز الدين بن الأمير يعقوبا.
وفي ذي القعدة زلزلت مصر، وتساقطت الدور، ومات بالإسكندرية تحت الردم نحو المائتين. وكانت آية. وافتتحت جزيرة أرواد وأسر من الفرنج نحو خمسمائة.
وفيها مات بزملكا المعمر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البناء، عن بضع وثمانين سنة. أجاز له ابن أبي لقمة وابن البن. وسمع أبا القاسم بن صصرى والناصح وابن الزبيدي.
ومات بالقاهرة شيخها وقاضيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن دقيق العيد القشيري المنفلوطي الشافعي، صاحب الإلمام وكتاب الإمام وشرح العمدة، في صفر عن سبع وسبعين سنة. روى عن ابن الجميزي وابن رواج والسبط وعدة. وكان رأسا في العلم والعمل، عديم النظير. وأخذ من دمشق قاضيها ابن جماعة فولي مكانه، وولي بدمشق ابن صصرى.
ومات في ربيع الأول المسند بدر الدين الحسن بن علي بن الخلال الدمشقي، عن ثلاث وسبعين سنة. حدث عن مكرم وابن اللتي وابن الشيرازي وابن المقير وجعفر وكريمة، وخلق. وتفرد رحمه الله.
ومات متولي حماة، الملك العادل زين الدين كتبغا المغلي المنصوري، ونقل فدفن بتربته بسفح قاسيون. مات يوم الجمعة، يوم الأضحى. وكان في آخر الكهولة، أسمر قصيرا دقيق الصوت شجاعا قصير العنق، ينطوي على دين وسلامة باطن وتواضع. تسلطن بمصر عامين، وخلع في صفر سنة ست وتسعين، فالتجأ إلى صرخد. ثم أعطي حماة.
ومات المقرئ شمس الدين محمد بن قيماز الطحان الدمشقي، عن ثلاث وثمانين سنة. تلا بالسبع على السخاوي. وسمع من ابن صباح وابن ناسويه وابن الزبيدي. وكان خيرا متواضعا.
ومات مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام. أجاز لنا مروياته. سمع الموطأ وكامل المبرد من أبي القاسم أحمد بن بقي في سنة عشرين. وعمر دهرا.


سنة ثلاث وسبعمائة
فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية، ونازلوا تل حمدون من بلاد سيس.
ومات القدوة، الزاهد العلامة بركة الوقت، الشيخ إبراهيم بن أحمد الرقي الحنبلي بدمشق، عن نحو ستين سنة. وشيعه الخلق، وحمل على الرؤوس إلى الجبل. وكان من أولياء الله ومن كبار المذكرين. له تصانيف محركة إلى الله. حدثنا عن عبد الصمد بن أبي الجيش. وله نظم كثير، وخبرة بالطب، ومشاركات في العلوم. توفي في المحرم.
وماتت المعمرة أم أحمد ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكي بدمشق، في المحرم. مكثرة عن البهاء عبد الرحمن. صالحة خيرة. عاشت خمسا وثمانين سنة.
ومات خطيب بعلبك ضياء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي الشافعي، في صفر عن تسع وثمانين سنة. سمع القزويني وابن اللتي. وهو آخر من روى شرح السنة. وخطب ستين سنة.
ومات مفيد الطلبة نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، في صفر عن أربع وسبعين سنة. كتب عمن دب ودرج. وجمع وكتب الكثير. ولم ينجب. روى عن الضياء وعبد الحق بن خلف والمرسي وأمم.
ومات فيه شيخ دار الحديث وخطيب البلد المفتي زين الدين عبد الله ابن مروان الفارقي، عن نيف وسبعين سنة. روى عن السخاوي وكريمة وابن رواحة وابن خليل. فولي بعده دار الحديث ابن الوكيل، والخطابة شرف الدين الفزاري.
ومات عز الدين أيبك الحموي نائب حمص. ونقل إلى تربته تحت عقبة دمر. وكان شيخا عاقلا، شجاعا. وولي نيابة دمشق بعد سنة تسعين للملك الأشرف.
ومات في رجب بالجبل الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي. أحد رواة الصحيح عن ابن الزبيدي. كتبنا عنه. جاوز الثمانين.
ومات صاحب الشرق القان محمود غازان بن القان أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي، في شوال بقرب همذان. لم يتكهل. ونقل إلى تربته بتبريز. سم بمنديل تمسح به بعد الجماع. وتملك أخوه خربندا وكان بسنجار وسموه محمدا ولقبوه غياث الدين.


سنة أربع وسبعمائة
تكلم ابن النقيب وغيره في فتاو لابن العطار فيها تخبيط. وسعوا إلى القضاة فحار ابن العطار وأرعب، وبادر إلى الحاكم ابن الحريري، فأسلم بدعوى صورت، فحقن دمه، ثم ندم ولامه أصحابه. وبلغ النائب فغضب من الفتن. واعتقل ابن النقيب وغيره أربع ليال فأنكروا.
وفي صفر مات المحدث المشهور مفيد دمشق أبو الحسن علي بن مسعود ابن نفيس الموصلي ثم الحلبي بالمارستان بدمشق، ودفن بالسفح. حدثنا عن ابن رواحة والكمال الضرير وابن عبد الدايم. وقرأ ما لا يوصف كثرة، وحصل أصولا وفقها. وعاش سبعين سنة في دين وقناعة وصدق. رحمه الله.
ومات بالمدينة صاحبها عز الدين جماز بن شيحة العلوي الحسيني، وقد شاخ وأضر. وتملك بعده ابنه منصور. وفيهم تشيع ظاهر.
ومات الضياء عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري، شيخ المغارة، في ربيع الآخر عن ثمانين سنة. روى عن ابن الزبيدي وابن صباح والإربلي.
ومات المعمر ركن الدين أحمد بن المنعم بن أبي الغنائم القزويني الطاووسي، كبير الصوفية بدمشق، في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وتسعة أشهر. روى بالعامة عن أبي جعفر الصيدلاني وطائفة. وبالسماع عن ابن الخازن والسخاوي.
ومات شيخ البطائحية تاج الدين بن الرفاعي بقرية ام عبيدة عن سن عالية. وله شهرة كبيرة.
ومات بقاسيون الحاج محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي، عن ثمانين سنة. روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي وابن المقير.
ومات الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي، كبير الذهبيين. ويكنى أبو الفضل أيضا. سقط من السلم فمات لوقته في رمضان عن ثمانين سنة. وكان مكثرا. سمع المسلم المازني وابن الزبيدي ومكرما وأبا نصر بن عساكر، وعدة. وتفرد بأشياء. خرجت له مشيخة.
ومات بالإسكندرية شيخها الإمام المحدث تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي المعدل، في ذي الحجة عن ست وسبعين سنة. روى عن ابن عماد وأبي الحسن القطيعي وابن بهروز وجماعة. وتفرد ورحل إليه. وكان فقيها عالما ثقة.
وفيها حكم المالكي بدمشق بضرب عنق محمد بن الباجربقي -وإن تاب بشهادة مجد الدين التونسي وجلال الدين خطيب الزنجيلية والمحيي بن الفارعي وجماعة- بكفريات.
ومات بمصر عالمها العلم العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري المصري الشافعي المفسر، عن نيف وثمانين سنة.


سنة خمس وسبعمائة
فيها أغار جيش حلب على أطراف العدو، فكمنوا لهم وقتل خلق من العسكر. وناب لابن صصرى جلال الدين القزويني. وسار عسكر دمشق والأفرم النائب لحرب الجرديين فضايقوهم أياما. وهم رافضة، آذوا الجيش في مكاتبة قازان. ثم صولحوا وفرقوا وخرجوا من أراضيهم.
وقل الغيث واستسقى بالناس خطيبهم الفزاري بسفح المزة.
وفيها فتنة الشيخ تقي الدين بن تيمية وسؤالهم عن عقيدته.، فعقد له ثلاثة مجالس وقرئت عقيدته الملقبة بالواسطية. وضايقوه، وثارت الغوغاء والفقهاء له وعليه. ثم وقع نوع وفاق. ثم إنه طلب على البريد إلى مصر وصورت عليه دعوى عند المالكي، فاستخصمه الشيخ وقاموا. فسجن الشيخ وأخواه بالجب بضعة عشر شهرا، ثم أخرج. ثم حبس بحبس الحاكم، ثم أبعد إلى الإسكندرية. فلما تمكن السلطان سنة تسع طلبه واحترمه وصالح بينه وبين الحكام. وكان الذي ادعي عليه به بمصر أنه يقول: إن الرحمن على العرش حقيقة، وإنه يتكلم بحرف وصوت. ثم نودي بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه.
وجاء تقليد بالخطابة للشيخ برهان الدين بعد عمه، وباشر وخطب ثم ترك ذلك، واختار بقاءه بالباذرائية بعد أن صلى خمسة أيام.
ومات بحلب قاضيها، كان، وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي، عن ثمانين سنة. وهو الذي عزل بزين الدين بن قاضي الخليل من الحكم. وكان مشكورا يدري المذهب.
ومات بمصر المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب بن المؤدب المصري. حدث عن ابن باقا. حدثنا عنه أبو الحسن السبكي.
ومات بالإسكندرية الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي، كبير الشهود، عن ست وتسعين سنة. سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة. روى عن ابن عماد والصفراوي، وتلا عليه بالسبع. وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة. أصم وأضر مدة.
ومات خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي أخو الشيخ تاج الدين في شوال عن خمس وسبعين سنة وشهر. وشهده ملك الأمراء والأعيان. تلا بالسبع، وأحكم العربية، وقرأ الحديث، وسمع كثيرا. وكان فصيحا عديم اللحن طيب الصوت. روى عن السخاوي والعز النسابة والتاج القرطبي وعدة. وأقرأ العربية زمانا، مع الكيس والتواضع والتصون.
ومات حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي، في نصف ذي القعدة فجأة، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من علي بن مختار وابن المقير وابن رواحة وإبراهيم بن الخير وطبقتهم. وصنف التصانيف المهذبة. ولم يخلف في معناه مثله.
وماتت بمصر المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي، في ذي القعدة، عن بضع وثمانين سنة. سمعت ابن الزبيدي والشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج، وجماعة. وتفردت بأشياء.
ومات في ذي القعدة صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني.


سنة ست وسبعمائة
قدم من الشرق الشيخ براق العجمي في جمع نحو المائة، وفي رؤوسهم قرون من لبابيد، ولحاهم دون الشوارب محلقة، وعليهم أجراس. ودخلوا في هيبة يجرون بشهامة. فنزلوا بالمنيبع ثم زاروا القدس، وشيخهم من أبناء الأربعين، فيه: إقدام وقوة نفس وصولة. فما مكنوا من المضي إلى مصر. وكان تدق له نوبة. ونفذ إليه الكبار غنما ودراهم.
وأنشئ بحذاء الرباط الناصري جامع للأفرم، وخطب به القاضي شمس الدين بن العز. وحطوا على أهل جيلان عند خربندا. ونبه على أن يكون له نائب، وأنهم يسبون الأشعري وأبا حنيفة، فندب لحربهم خطلو شاه، فسار. فكسبت الجيلانيون التتار وبثقوا عليهم من البحر سدا فانهزموا، وقتل بسهم طاغيتهم خطلو شاه الكافر.
وفيها توفي أمير سلاح بدر الدين بكتاش بن عبد الله الصالحي، كبير أمراء مصر. وله غزوات ومواقف. وكان ذا عقل ورأي. قارب الثمانين.
ومات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد ابن السواملي العراقي، وله ست وسبعون سنة. توفي بشيراز. والسوامل كالطاسات. كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم. ثم تجر وسار إلى الصين، فتمول وعظم، وضمن العراق من القان ورفق بالرعية، وصار له أولاد مثل الملوك. ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة.
ومات فجأة خطيب دمشق الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي ابن إمام الكلاسة، وحمل على الرؤوس، وصلى عليه الأفرم. وكان دينا صينا مليح الشكل طيب الصوت حسن الهدي. روى عن البرهان وابن عبد الدايم. أم بالكلاسة مدة، ثم خطب للخطابة. فأقام ستة أشهر ونصفا. وخرج من الحمام، وصلى سنة الفجر فغشي عليه وانطفأ. فولي بعده الخطابة جلال الدين القزويني.
ومات بحلب مسندها علاء الدين سنقر القضائي الزيني، في شوال، عن سبع وثمانين سنة. تفرد بأشياء. وحدث عن الموفق عبد اللطيف وابن شداد وابن روزبه وابن الزبيدي وأنجب الحمامي وعدة. وكان دينا خيرا صبورا على الطلبة. أكثرنا عنه. رحمه الله.
ومات ببغداد العلامة المتفنن نصير الدين عبد الله بن عمر الفاروثي الشيرازي الشافعي، مدرس المستنصرية. قدم علينا دمشق.، وظهرت فضائله بالعقليات.
ومات بالكرك الطواشي الأمير المعمر شمس الدين صواب السهيلي. وكان محتشما متمولا بعيد الصيت.


سنة سبع وسبعمائة
عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم ابن خلكان من عبارات قبيحة ودعاو مبيحة للدم وادعاء نبوة ما. فاختلفت فيه الآراء ومال إلى الترفق به الشيخ برهان الدين، فتاب. وصلى الخطيب بالبلد صلاة الفطر. وحضر بالمقصورة ملك الأمراء بسبب المطر.
ومات بمكة في آخر العام الماضي الزاهد الكبير الشيخ محمد بن أحمد بن أبي بكر الحراني القزاز. وكان كثير التلاوة. روى عن عبد الله بن النحال وإبراهيم بن الخير وجماعة. وتفرد. كتبنا عنه.
ومات بدمشق كبير الأمراء ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي الجالق. توفي بإقطاعه عن نحو الثمانين. وبقي في الإمرة زمانا.
ومات بمصر رئيسها الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد بن حنا. حدثنا عن سبط السلفي. وكان محتشما وسيما عادلا شاعرا متمولا من رجال الكمال.
ومات بمكة شيخها الإمام القدوة أبو عبد الله محمد بن حجاج بن إبراهيم بن مطرف الأندلسي، في رمضان عن نيف وتسعين سنة. جاور نحو ستين عاما. وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا. وحمل نعشه صاحب مكة حميضة.
ومات بالقاهرة أقضى القضاة جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي الشافعي. روى عن ابن باقا بالإجازة، وعن العلم بن الصابوني. وعاش خمسا وثمانين سنة. أكثروا عنه. وله أخ باسمه وهو العدل نجم الدين محمد. مات بعد النووي رحمهما الله.
ومات ببغداد مسندها الإمام رشيد الدين محمد بن أبي القاسم المقرئ الحنبلي، شيخ المستنصرية، في رجب عن أربع وثمانين سنة. سمع الكثير من عمر بن كرم والحسن بن أسيد والسهروردي وزكريا العلي وعدة. وتفرد. وكتب المنسوب. وشارك في الفضائل واشتهر.
ومات بتبريز عالمها شمس الدين العبيدي شيخ الشافعية. وقد أسن وخلف كتبا تساوي ستين ألفا. توفي في ذي القعدة.
ومات بدمشق مسندها شهاب الدين محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز، شيخ الرواية بالدار الأشرفية، في ذي الحجة عن ثمان وثمانين سنة وأشهر. حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن صباح وابن باسويه وابن المقير ومكرم. وتفرد واشتهر.


سنة ثمان وسبعمائة
أطلقت حماة لنائبها قبجق، فولي نظرها عبد الصمد بن المغيزل، وعزل الشرف محمد بن جمال الدين بن صصرى منها. وعزل ناظر دمشق أمين الدين أبو بكر بن الرقاقي فرد إلى مصر.
وسار السلطان إلى الكرك ليحج فدخلها، فبعث نائبها جمال الدين إلى مصر، وزهد في مملكة محجور عليه فيها، ولوح بعزل نفسه. فوثب على الملك ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ولقب بالمظفر، وأقر على نيابة الملك سلار، وحلف له أمراء النواحي. وجاء كتاب الناصر من الكرك بأنه لم يؤذ أحدا، وقد اختار الانقطاع والعزلة بالكرك، وأن له عليهم بيعة بالطاعة، وقد أمرهم بالطاعة لمن يتولى، ويشير بالاتفاق، وما فيه تصريح بعزل نفسه. وولي برغلي موضع الذي تسلطن، ومكان برغلي بتخاص، ومكان بتخاص أقوش نائب الكرك. وركب المظفر بأبهة السلطنة والسواد والعمامة المدورة والسيف الخليفتي، والأعيان مشاة، والصاحب حامل على رأسه التقليد من أمير المؤمنين في كيس أطلس أوله: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}. وبلغ عدة الخلع ألفا ومائتين.
ومات ببرزة الزاهد القدوة الكبير الشيخ عثمان بن عبد الله الحلبوني، وقد شاخ. وكان من الصعيد. طلع النائب والقضاة إلى جنازته. وكان ذا كشف وتوجه وجد. ترك الخبز سنين.
ومات بمصر المسند أبو علي شهاب الدين بن علي المحسني من أبناء الثمانين. مكثر عن ابن المقير وابن رواج والساوي.
ومات رئيس الطب بمصر العلم إبراهيم بن الرشيد بن أبي الوحش بن أبي حليقة، قيل تركته ثلاثمائة ألف دينار.
وماتت المعمرة أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري في ربيع الآخر عن قريب التسعين بدمشق. لها إجازة من الفتح وابن عفيجة وجماعة. وسمعت المسلم المازني وكريمة وابن رواحة. وكانت صالحة. روت الكثير وتفردت. ولم تتزوج.
ومات في رجب الملك المسعود نجم الدين خضر بن الظاهر، في أول الكهولة. توفي فجأة.
ومات شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي عن بضع وسبعين سنة. جاور أربعين سنة. وحدث عن الشرف المرسي. توفي بناحية اليمن بالمهجم.
ومات الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن سامة الطائي السوادي الحنبلي، في ذي القعدة عن سبع وأربعين سنة. روى عن ابن عبد الدايم حضورا. وسمع وكتب الكثير بدمشق ومصر وحلب وبغداد والبصرة وأصبهان. وكان فصيحا متعبدا كيسا جيد المعرفة.
ومات بدمشق مسند الشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني. وكان دينا متزهدا.، حج مرات وجاور. وتفرد عن أبي القاسم بن صصرى والبهاء عبد الرحمن ورحل إليه. مات في نصف ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة.
وماتت بحماة الجليلة أم عمر خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم في عشر التسعين. روت لنا عن الركن إبراهيم الحنفي.
ومات بغرناطة عالمها الحافظ المقرئ النحوي ذو العلوم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، في ربيع الأول عن ثمانين سنة. طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع من جماعة. وتفرد بالسنن الكبير للنسائي عن أبي الحسن الشاري، بينه وبين المؤلف ستة أنفس.
ومات ببغداد شيخ المستنصرية المعمر عماد الدين إسماعيل بن علي بن الطبال. سمع عمر بن كرم وابن روزبة وجماعة، وتفرد.


سنة تسع وسبعمائة
بعث بابن تيمية مع مقدم إلى الإسكندرية فاعتقل ببرج، ومن أراد دخل إليه.
وأبطلت الخمور والفاحشة من السواحل.
وفي وسط السنة ثار أمراء وهموا بقتل المظفر بيبرس، فتحرز. فساقوا على حمية إلى العريش ثم دخلوا الكرك، وحركوا همة السلطان. وكان رأسهم نغيه المنصوري، وهم فوق المائة، فسار السلطان قاصدا دمشق وراسل الأفرم، فتوقف وقال: كيف هذا وقد حلفنا للمظفر، ثم خذل وفر إلى الشقيف. ثم دخل السلطان إلى قصر الميدان وأتاه مسرعا نائب حلب قراسنقر، ونائب حماه قبجق، ونائب الساحل أسندمر. والتف إليه جميع عساكر الشام. ثم سار بهم بعد أيام في أهبة عظيمة نحو مصر، فبرز المظفر بجيوشه، فخامر عليه برغلي في أمراء، فخارت قوته وانهزم نحو المغرب. ودخل السلطان إلى مقر ملكه يوم الفطر بلا ضربة ولا طعنة. ثم أمسك عدة أمراء عتاة، وخذل المظفر. فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه ثم خنقه، وأباد جماعة من رؤوس الشر وتمكن. وهرب نائبه سلار نحو تبوك، ثم خدع وجاء برجله إلى أجله، فأميت جوعا، وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف من الجواهر والعين والملابس والمزركش والخيل المسومة، ما قيمته أزيد من ثلاثة آلاف ألف دينار. قل اللهم مالك الملك.
وثارت الحوازنة في هذه المدة وأقاموا الهوى. وقتل منهم نحو الألف.
وأظهر خربندا الرفض بمملكته. وغير الخطبة. وشمخت الشيعة، وجرت فتن كبار.
وانتزع كمال الدين بن الشيرازي بالجاه الشامية الكبرى من ابن الزملكاني باعتناء أسندمر. وأمسك نغيه المذكور وقيد ثم مات.
ومات بمصر غريبا شيخنا العلامة النحوي شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، بعد دخوله بأيام في المحرم عن أربع وستين سنة. حدثنا عن الفقيه اليونيني وابن عبد الدايم. وطلب الحديث فأكثر منه، وأتقن النحو عن ابن مالك، وصنف شرحا للجرجانية. وانتفع به جماعة من الفضلاء، مع الدين والصيانة والفقه والتواضع.
ومات بدمشق كبير المؤذنين نجم الدين أيوب بن سليمان المصري المعروف بمؤذن النصيبي عن تسع وثمانين سنة.
وبلغنا موت نائب العراق أذينة.، وكان مسلما عادلا، يأتي الجمعة ماشيا. ولي مدة.
ومات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدين سنقر المنصوري الأعسر.، وله عدة مماليك تقدموا. وكان كبيرا شهما عارفا، فيه ظلم.
ومات بمصر الشيخ العارف المذكر تاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندراني، صاحب أبي العباس المرسي.
ومات بمكة مسندها المعمر الصالح أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي، المجاور من زمان، في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. سمع من الأنجب الحمامي أجزاء تفرد بها. أخذ عنه ابن مسلم القاضي وشمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية. وأجاز لأبي عبد الله.
ومات بمصر الشيخ نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري، المعدل، عن تسع وسبعين سنة. سمع ابن المقير وابن رواج وغيرهما.
وماتت بحلب المعمرة أم محمد شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي.، وولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة.، وحضرت الكاشغري وعمر بن بدر. ولها إجازة من ثابت بن مشرف. وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد.، سمعت منها.
ومات بدمشق المقرئ المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة المخرمي عن بضع وثمانين سنة. حدثنا عن ابن اللتي وجعفر ومكرم.


سنة عشر وسبعمائة
دخلت وسلطان الوقت الملك الناصر محمد. ونائبه بكتمر أمير جندار. والوزير فخر الدين عمر بن الخليلي. ونائب دمشق قراسنقر. ونائب حماه قبجق، ونائب حلب أسندمر.
ودرس بالعذراوية الصدر سليمان الكردي. وبالشامية الجوانية الأمين سالم. انتزعاهما من ابن الوكيل. ثم أعيدتا إليه بشفاعة أسندمر.
ثم ذهب أسندمر إلى حماة. فأخرق قراسنقر بابن الوكيل فخارت قوته، وأسرع إلى القاضي الحنبلي فحكم بإسلامه. وكانت الرشوة إلى قراسنقر متواصلة. وجرت أمور. وكان يتبرطل من الجهتين. ففسد النظام وانعسفت الرعية. وكان يتهاون بالصلاة. ثم أخذت الشامية وردت إلى الأمين سالم.، جاءه توقيع من مصر. وولي نظر الخزانة عز الدين أخو الجلال بن القلانسي بعد النجم البصروي. لأنه ولي الوزارة ونزل عن الحسبة لأخيه الفخر.
وفي أولها عزل ابن جماعة من القضاء بنائبه جمال الدين الزرعي لكونه امتنع يوم عقد المجلس لسلطنة المظفر فرآها له السلطان. ثم بعد عام أعيد ابن جماعة إلى المنصب، ثم جاء كتاب بعزل ابن الوكيل من جهاته. ثم وزر بالشام عز الدين حمزة بن القلانسي. وولي مشيخة الخوانق بدمشق الشهاب الكاشغري الشريف، وكان قليل الخير. وبعد أشهر أخذت من ابن الشيرازي الشامية فأعيدت إلى ابن الزملكاني.
وفي نيسان مطرنا مطرا كأعكر ماء الزيادة. وبقي أثر الطين على الثمر والورق نحو شهرين.
وأمسك أسندمر نائب حلب، وطوغان نائب إلبيرة. لكن طوغان أنعم عليه بشد دمشق.
ومات بمصر الشاعر المحسن شهاب الدين أحمد بن عبد الملك العزازي التاجر. وديوانه في مجلدين. عاش بضعا وسبعين سنة.
ومات بمصر الصالح عبد الله بن ريحان التقوي. سمع ابن المقير والعلم ابن الصابوني وابن رواج. وكان سمسارا صدوقا.
وماتت ببغداد ست الملوك فاطمة بنت علي بن علي بن أبي البدر. روت كتابي الدارمي وعبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب. توفيت في ربيع الأول.
ومات بالصالحية قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حسن بن أبي موسى بن الحافظ عبد الغني المقدسي، مدرس الصاحبية الذي انتزع القضاء من تقي الدين سليمان بن حمزة، ثم عزل بعد ثلاثة أشهر، وأعيد تقي الدين. روى عن ابن عبد الدايم. وعاش أربعا وخمسين سنة.
ومات نائب طرابلس الحاج بهادر سيف الدين المنصوري.
ومات قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، أحد أئمة المذهب. عزل وطلب من دمشق ابن الحريري فولي مكانه.، فتوفي السروجي بعد أيام في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة. صنف التصانيف واشتهر.
وهلك جوعا كما استفاض نائب الممالك سيف الدين سلار المغلي.، وقد بلغ من الجاه والعز والمال ما لا مزيد عليه. تمكن إحدى عشرة سنة. وكان إقطاعه نحوا من أربعين طبلخاناه، فحسبك. وكان أسمر سهل الخدين، ليس بطويل، عاقلا ذا هيئة قليل الظلم. مات في جمادى الأولى.
وفيه مات بحماة الأمير سيف الدين قبجق المنصوري أحد الشجعان والأبطال. وكان تركيا تام الشكل محببا إلى الرعية. قارب الستين. ويقال سقي. والله أعلم.
ومات بدمشق المقرئ الخير أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النساخ في رجب عن ثلاث وثمانين سنة. حضر ابن الزبيدي. وروى كثيرا عن الضياء.
ومات بمصر شيخ الشافعية الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع، ابن الرفعة. مصنف شرح الوسيط وشرح التنبيه وغير ذلك. وعاش نيفا وستين سنة. توفي في رجب.
ومات في رمضان المسند العالم كمال الدين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس الحنفي عن بضع وسبعين سنة أو ثمانين سنة. سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة وابن خليل فأكثر. ونسخ الأجزاء. وانقطع بموته شيء كثير.
ومات بتبريز عالم العجم العلامة قطب الدين محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي عن ست وسبعين سنة. توفي في سابع عشر رمضان. وله تصانيف وتلامذة. وكان ذا ذكاء باهر ومزاح ظاهر.
ومات ببغداد في رمضان الإمام نجم الدين أبو بكر عبد الله بن أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقرئ، خطيب جامع المنصور وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبال، وله اثنتان وثمانون سنة. سمع ابن بهروز والأنجب الحمامي وأحمد بن المارستاني.
ومات باللجون العلامة المتفنن الشيخ علي بن علي بن أسمح اليعقوبي، ويلقب مثلا الناسخ الزاهد.، كان له عدة محفوظات. حفظ مصابيح البغوي والمفصل والمقامات.، وسكن الروم، وركب البغلة. ثم تزهد وهاجر إلى دمشق.، واستمر بدلق ومئزر صغير أسود. وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية.
ومات بمصر في ذي القعدة المعمر الصدر بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري ابن القيم. وكان ناظر الأوقاف. وذكر مرة للوزارة. وكان دينا خيرا متواضعا. حدث عن الفخر الفارسي وابن باقا. وعاش سبعا وتسعين سنة رحمه الله.


سنة إحدى عشرة وسبعمائة
عزل عن دمشق قراسنقر المنصوري -ولله الحمد- بكريه المنصوري الذي كان مجردا بحلب. وولي العذراوية شرف الدين حسين بن سلام لرواح سليمان الكردي مع قراسنقر. وولي نظر المارستان النوري أيضا ابن خطيب المصلي لرواح ابن الحداد أيضا. وأعطي الصاحب نجم الدين البصروي إمرة، وخلع عليه لها بزي الوزراء. ووزر بمصر أمين الملك أبو سعيد المستوفي - الذي أسلم - عوضا عن بكتمر الحاجب.
وولي بحمص بيبرس العلائي. وأعيد إلى القضاء ابن جماعة. وجعل الزرعي قاضي العسكر مع تدريساته.
وقرر على أملاك دمشق وأوقافها ألف وخمسمائة فارس، فقال الخطيب جلال الدين: أنا لها. ومشى إلى القضاة، وتجمع الناس، وكبروا، وحملوا المصحف والأثر النبوي وأعلام الخطبة. ورأى النائب كريه منظرا مزعجا، فغضب وأهان الخطيب، وضرب الشيخ مجد الدين التونسي ورسم عليهم، فتألم الخلق ودعوا على كريه. فبعد تسعة أيام أخذ من النيابة وقيد وسجن بالكرك. وأمسك قطلبك نائب صفد، ونائب مصر بكتمر أمير جندار. وولي بمصر بيبرس الخطائي الدويدار صاحب التاريخ. وكانت نيابة كريه بدمشق نحو خمسة أشهر. ووليها جمال الدين أقوش الكركي. وولى صفد بهادر آص مديدة.
ومات الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن المرسي. وولى وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية. ثم وزر للعادل والمنصور حسام الدين. ثم عزل.، ثم ولى للناصر ثم عزل.، ومات معزولا. وكان خبيرا بالأمور شهما مقداما، فيه كرم وسؤدد. مات ليلة الفطر.
ومات في المحرم بالثغر، الزاهد العابد الإمام الناظم أبو حفص عمر بن عبد النصير السهمي القوصي، عن ست وتسعين سنة. حدثنا بدمشق عن ابن المقير وابن الجميزي. وحج مرات.
ومات بدمشق في صفر المسند الفاضل فخر الدين إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن ابن اللتي ومكرم وابن الشيرازي وطبقتهم. وشيعه الكبراء. وشيوخه نحو التسعين. كان مكثرا، وفيه خفة وطيش، ولكنه فيه دين. ويذاكر بأشياء.
وماتت الصالحة المسندة أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي، والدة الشيخ إبراهيم بن القريشية وإخوته. توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة. روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات، وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري شيخ الحنفية. وسمعت من ابن رواحة. دينة متعبدة.
ومات بحماة قاضيها العلامة عز الدين عبد العزيز بن محيي الدين محمد ابن نجم الدين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي، في ربيع الأول، ودفن بتربته عن ثمان وسبعين سنة. حدثنا عن ابن خليل. وسمع من يونس بن خليل والضياء صقر وهدية. وكان له اعتناء بالكشاف وبمفتاح السكاكي.
ومات الإمام القدوة الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي الحنبلي الصوفي عن خمس وسبعين سنة. وكان ذا تأله وصدق وعلم.
ومات بعده بيوم الإمام العارف الزاهد القدوة عماد الدين أحمد بن شيخ الحزامية إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي صاحب التواليف في التصوف، في ربيع الآخر عن أربع وخمسين سنة. وكان من سادة السالكين. له مشاركة في العلوم وعبارة عذبة ونظم جيد.
ومات في جمادى الأولى، العدل المرتضي المسند عماد الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي البالسي الدمشقي عن أربع وسبعين سنة. سمع من إسحاق الشاغوري وكريمة وجماعة حضورا، ومن السخاوي وابن قميرة وابن شقيرا وعمر بن البراذعي وخلق. خرجت له معجما كبيرا، ووقف أجزاءه. وكان محمودا في الشهادات حسن الديانة.
ومات الشيخ الصالح الزاهد البركة الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي، شيخ مقصورة الحلبيين، في رجب عن سبع وثمانين سنة. وكانت جنازته مشهودة. خرج له رفيقه ابن الظاهري عن محمد ابن النعالي وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير وطبقتهم. وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة.
ومات القاضي المنشئ جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الرويفعي بمصر، في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. يروي عن مرتضى وابن المقير ويوسف بن المخيلي وابن الطفيل. وحدث بدمشق ومصر. واختصر تاريخ ابن عساكر. وله نظم ونثر. وفيه شائبة تشيع.
ومات شيخ التجويد وصاحب الكتابة الباهرة والإنشاء الجيد شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف بن الوحيد الزرعي، من كتاب الدرج. كان شجاعا مقداما متكلما منشئا. وهو متهم في دينه، يرمى بعظائم. توفي في شعبان وقد شاخ.
ومات وزير التتار سعد الدين محمد بن علي الساوجي.، قتلوه مع رفيقه في الوزارة مبارك شاه وطائفة، في شوال.، خبث عليهم الشريف الآوي. فقتل أيضا الكل ببغداد. قيل: عملوا على قتل القان.
ومات العلامة شيخ الأدباء رشيد الدين رشيد بن كامل الرقي الشافعي عن ست وثمانين سنة. درس وأفتى وبرع في الأدب. وكان وكيل بلاد حلب. وحدث عن ابن مسلمة وابن علان.
ومات بمصر العلامة الأصولي الخطيب، شمس الدين محمد بن يوسف الجزري مدرس المعزية وخطيب جامع ابن طولون. وله تلامذة.
وهلك في سجن الكرك الأمير الكبير سيف الدين أسندمر الكرجي في آخر الكهولة. ولي البر بدمشق ثم نيابة طرابلس ثم حلب. وكان بطلا شجاعا سائسا داهية جبارا ظلوما مهيبا. سمع بقراءتي صحيح البخاري. وهلك معه الأمير الكبير بتخاص.
ومات قاضي الحنابلة بمصر الإمام الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي في ذي الحجة عن ستين سنة. حدث عن ابن البرهان والنجيب وابن علاق، وخلق. وكتب وصنف ورأس. وكان دينا صينا وافر الجلالة فصيحا ذكيا. حكم سنتين ونصف. وكان من أئمة الحديث ومتقنيهم.
وخر في هذه الحدود خطيب غرناطة العلامة أبو محمد عبد الله بن أبي حمزة المرسي من فوق المنبر يوم الجمعة، ومات فجأة وله نيف وثمانون سنة. روى بالإجازة عن ابن سالم الكلاعي.


سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
في المحرم ساق الأميران عز الدين الزردكاش وآخر إلى الأفرم نائب طرابلس الذي ناب بدمشق، وانضموا إلى نائب حلب قراسنقر، ثم ساقوا وأجارهم مهنا فبقوا عنده أياما ثم خامروا إلى القان خربندا فأقبل عليهم كثيرا وأقطعهم. وولي السر بدمشق شرف الدين بن فضل الله، وقام مكانه بمصر علاء الدين ابن الأثير. واحتيط على أموال أولئك الأمراء، وقطع خبز مهنا، وأمر مكانه أخوه الأمير محمد. وولي نيابة حلب سودي. وأخذ من دمشق نائبها جمال الدين أقوش على البريد في ربيع الأول. وطلب قطب الدين السلامي إلى مصر فولي نظر الجيش وبها وولي قضاء الحنابلة بمصر تقي الدين أحمد بن القاضي بن عوض. وصودر كاتب الجيش بمصر الفخر كاتب المماليك. وولي طرابلس تمر الساقي. وأمسك نائب حمص بيبرس العلائي. ومن دمشق مشدها طوغان المنصوري وبيبرس المجنون وركن الدين الباجي وكشلي وسنجر البراوي وحبسوا بالكرك. وأمسك بمصر النائب بيبرس الخطائي، وأقوش الذي ناب بدمشق، وسنقر الكمالي الحاجب، وخمسة أمراء فحبسوا.
وفي ربيع الآخر وصل على نيابة الشام ملك الأمراء تنكز الناصري، وفي خدمته أمراء، منهم الحاج وقطبة. وبعد شهر ولي نيابة مصر أرغون الدويدار.
وفي هذا الشهر ولي نظر الجيش بدمشق معين الدين بن خشيش. وشورك بين كاتب المماليك وبين قطب الدين.
ونازل خربندا بجيوشه الرحبة، وانجفل الناس وكثر الخوف، ونصبت المجانيق عليها ونقبت النقوب، حتى طلب أهلها الأمان. ونزل نائبها وقاضيها إلى القان بهدية فقبلها، واستحلفهم له وأمر كلا على ولايته، ثم ترحل عنها في العيد أو في آخر رمضان. فبعثوا إلى السلطان بما جرى وطلبوا العزل لأيمانهم، فعزل الكل وبعث غيرهم. ودخل دمشق في أواخر شوال. ثم بادر فحج في خواصه ورجع إلى دمشق مؤيدا منصورا.
وقدم شيخنا تقي الدين من مصر بعد غيبة سبع سنين وسبع جمع.
وفيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي في صفر عن نيف وثمانين سنة. حدث عن سليمان الإسعردي وأبي سليمان الحافظ والشيخ الفقيه، وبالإجازة عن ابن روزبة ونصر بن عبد الرزاق. وكان من العلماء الأبرار، قليل المثل خيرا منورا أمارا بالمعروف.، رحمه الله.
ومات الصدر الأديب المقرئ شهاب الدين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي من تجار الخواصين، ومن عدول القيمة. عرض الشاطبية على السخاوي، وسمع منه أجزاء. وله نظم جيد ومدائح. عاش خمسا وثمانين سنة. توفي في ربيع الآخر.
ومات بالمزة الصاحب تاج الدين أحمد بن العماد محمد بن الشيرازي، ولي الوكالة والحسبة، ونظر الدواوين، ونظر الجامع. وتنقل في المناصب ثم مات بطالا. حدث عن ابن عبد الدايم. وعاش ثمانيا وخمسين سنة. توفي في رجب.
ومات صاحب ماردين المنصور نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن غازي بن ألبي بن تمرتاش ابن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي في ربيع الآخر. ودفن في تربة آبائه، عن بضع وستين سنة. وتملك بعده ولده العادل علي، فمات بعد أيام. فيقال سمهما قراسنقر. ثم تملك ابنه الآخر الملك الصالح.
ومات بمصر في ربيع الآخر المسند العالم الصالح الشيخ أبو الحسن علي ابن محمد بن هارون التغلبي الدمشقي، قارئ المواعيد للعامة، وله ست وثمانون سنة. سمع من ابن صباح حضورا، ومن ابن الزبيدي والمازني وابن اللتي والناصح ومكرم، وعدة. وتفرد بالعوالي واشتهر. وكان دينا خيرا متواضعا. حمل على الرؤوس وتأسفوا عليه.
وتوفيت بالقدس في جمادى الأولى المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس، ولها ست وثمانون سنة. تروي عن ابن الزبيدي حضورا، وعن ابن اللتي والهمذاني وغيرهم. وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة.
ومات بمصر الفقيه المعمر عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي، في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة. سمع ببغداد من الكاشغري وابن الخازن،. وبمصر من ابن رواج وطائفة. وتفرد بأجزاء.
ومات بدمشق العدل الصالح التقي شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني، خطيب حران، فخر الدين بن تيمية الحراني التاجر، في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن ابن اللتي حضورا، وعن ابن رواحة ومرجا بن شقيرا وجماعة.
ومات المولى الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الناصر داود ابن المعظم بن العادل عن نيف وسبعين سنة. حدثنا عن الصدر البكري وخطيب مردا. وكان عاقلا دينا.
ومات المسند الخطيب نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري، ابن الصواف الشافعي، الذي روى عن ابن باقا أكثر سنن النسائي سماعا. وتفرد واشتهر. توفي في رجب وقد قارب التسعين.، وسمع من جعفر الهمذاني والعلم ابن الصابوني. وله إجازة أبي الوفا محمود بن مندة من أصبهان.
وماتت ست الأجناس موفقية بنت عبد الوهاب ابن عتيق بن وردان المصرية، ولها اثنتان وثمانون سنة. روت عن الحسن بن دينار والعلم ابن الصابوني وعبد العزيز النقار وطائفة، وتفردت.
ومات بمصر في شوال المقرئ المعمر زين الدين أبو محمد الحسن ابن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي، سبط الفقيه زيادة، وله خمس وتسعون سنة. سمع من أبي القاسم بن عيسى المقرئ، ومحمد بن عمر القرطبي المقرئ. وتفرد عنهما. وتلا بالسبع على أصحاب أبي الجود. وكان دينا خيرا فاضلا كيسا، يؤدب في منزله.
ومات بالقدس مدرس الصلاحية العلامة نجم الدين داوود الكردي الشافعي، درس بها ثلاثين سنة. وبعده وليها الشيخ شهاب الدين بن جهبل.
ومات سلطان دست القفجاق طقططيه المغلى الجنكزخاني وله نحو من أربعين سنة. وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة. وكان على دين قومه يحب السحرة، وفيه عدل في الجملة وميل إلى الإسلام. وعسكره خلق عظيم بالمرة. وتملك بعده القان الكبير أزبك خان، وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة، وامتدت أيامه.


سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
وصل السلطان من الحج إلى دمشق يوم حادي عشر المحرم لابسا عباءة وعمامة مدورة، وصلى جمعتين بالمقصورة. وولي نظر الدواوين غبريان، ونظر الجامع فخر الدين ابن شيخ السلامية، وشد الأوقاف بكتاش المنكورسي. وذهب في الرسلية ابن الوكيل إلى مهنا مرتين.
وفيها روك أخباز الشاميين وانضر عدد كثير. وأقيمت صلاة الفطر لأجل الثلج بدار السعادة.
وفيها مات الخطيب القاضي عماد الدين علي بن الفخر عبد العزيز ابن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي بن السكري المصري الشافعي، خطيب جامع الحاكم ومدرس مشهد الحسين، وله أربع وسبعون سنة. وقد ذهب في الرسلية إلى ملك التتار.، وحدث بدمشق عن جده لأمه ابن الجميزي.
ومات بمكة في ربيع الآخر المحدث الحافظ فخر الدين أبو عمر عثمان بن محمد بن عثمان التوزري المالكي المجاور عن ثلاث وثمانين سنة. سمع السبط وابن الجميزي وعدة، وقرأ ما لا يوصف كثرة.، ثم جاور للعبادة مدة. وكان قد تلا بالسبع.
ومات بدمشق نائب الخطيب وشيخ القراء تقي الدين أبو بكر بن محمد ابن المشيع الجزري المقصاتي في جمادى الآخرة، عن بضع وثمانين سنة. أم مدة بالرباط الناصري. تلا على الشيخ عبد الصمد وغيره. وروى عن الكواشي تفسيره. وكان دينا صالحا بصيرا بالسبع.
ومات رئيس التجار الصدر عز الدين عبد العزيز بن منصور الكولمي بالإسكندرية وقد شاخ. وكان أبوه من يهود حلب، فأسلم وتاجر. سافر عز الدين إلى الصين، وكان فيه كرم وخير. ولما مر باليمن نابه لصاحبها من المغارم ثلاثمائة ألف درهم.
ومات في جمادى الآخرة الشيخ المسند أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن بدران الأنمي الدشتي الكردي المؤدب الحنبلي، بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر. حدثنا عن ابن رواحة وابن يعيش وابن قميرة والضياء وصفية القرشية وعدة. وله مشيخة بانتقاء البرزالي. تفرد بأشياء عالية.
ومات بحلب المسند المعمر ركن الدين بيبرس التركي المجدي العديمي، في ذي القعدة عن نحو التسعين أو أكثر. حدثنا عن الكاشغري وهبة الله بن الدوامي، وجماعة.


سنة أربع عشرة وسبعمائة
أغارت عساكر حلب على دنيسر، وقتلوا خلقا وفعلوا قبائح. وولي حلب ألطنبغا الحاجب بعد وفاة سودي. وقتل الشقي موسى الكركي كاتب قطلبك لكونه سب النبي ﷺ.
وجرت وقعة بقرب مكة بين الأخوين حميضة وأبي الغيث، فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكة.
ومات العدل المسند زين الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشيرازي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. حدثنا عن السخاوي والنسابة وكريمة والتاج بن حمويه وطائفة. وانتخب عليه العلائي. مولده في أول يوم من سنة أربع وثلاثين. وكان لا بأس به، كثير التلاوة.
ومات بحلب نائبها سيف الدين سودي. وكان جيد السيرة.
ومات كاتب الحكم الصدر شمس الدين محمد بن كاتب الحكم المهذب ابن أبي الغنائم في آخر الكهولة، وخلف ثروة.
ومات بمصر العلامة الشيخ المعمر شيخ الحنفية رشيد الدين إسماعيل بن عثمان ابن المعلم القرشي الدمشقي في رجب عن إحدى وتسعين سنة. سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات. وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة. وتفرد، وتلا بالسبع على السخاوي، وأفتى ودرس.، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة. ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين بقليل. تغير قبل موته بسنة أو أكثر وانهرم.
ومات محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي، وخلف نعمة جزيلة. وكان عالما واعظا. حدث عن جده أبي جعفر.
ومات نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني في حياة أبيه، فولى النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان، وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري.
ومات بحلب ناظرها الصاحب شرف الدين يعقوب بن مظفر بن مزهر، عن ست وثمانين سنة. وقد عمل نظر دمشق مرة.
ومات بدمشق الشيخ سليمان التركماني الموله. وكان يجلس بسقاية باب البريد، وحوله الكلاب، ثم يطرق العلبيين، وعليه عباءة نجسة ووسخ بين، وهو ساكن، قليل الحديث. له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة، وللناس فيه اعتقاد زائد. وكان شيخنا إبراهيم الرقي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده. قارب سبعين سنة. وكان يأكل في رمضان، ولا صلاة ولا دين. ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه يتجانن، وأنه من بابة يعقوب الحلط الذي هو مسجون على الكفريات.
ومات صاحب جيلان الملك شمس الدين دوباج بن فينشاه بن رستم، بقرب تدمر، ونقل فعمل له تربة عند قبة الرقي.
ومات بمصر العلامة الأصولي علاء الدين علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تخرج به الفضلاء، وله تصانيف وشهرة. درس بأماكن، وروى عن أبي العباس التلمساني.
وماتت العالمة الفقيهة الزاهدة القانتة، سيدة نساء زمانها، الواعظة، أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية الشيخة، في ذي الحجة بمصر، عن نيف وثمانين سنة. وشيعها خلائق. وانتفع بها خلق من النساء وتابوا. وكانت وافرة العلم، قانعة باليسير، حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف. وانصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زايد ووقع في النفوس، رحمها الله.، زرتها مرة.
ومات بالثغر العدل جمال الدين بن عطية بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي، المنفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوى. من أبناء الثمانين.


سنة خمس عشرة وسبعمائة
في أولها سار نائب دمشق بجيوش الشام وقطع الدربند إلى ملطية فافتتحها. وسبيت الذراري وعدد من المسلمات، وعم النهب.، فلله الأمر، وأحرقوا في نواحيها. وفارقوها بعد ثلاث.
وقدم قاضيها فأعطي تدريس الخاتونية البرانية، وشيخ الصوفية.
وقتل بملطية عدة من النصارى.
ودرس بالأتابكية قاضي القضاة ابن صصرى وبالظاهرية ابن الزملكاني بعد الصفي الهندي.
وقدم بغداد قراسنقر المنصوري بزوجته الخاتون بنت آبغا، وعزم أن يعبر على الشام، فما مكنه خربندا.
وكمل بناء القيسارية والسوق قبل سوق الخواتين، وكان بقعة ذلك ساحة وطاحونا.
وقتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة. وكان له كشف وإخبار عن المغيبات، فضل به الجهلة. وكان يقول: أتاني النبي ﷺ وحدثني. وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة، وعليه قباء.
ومات سلطان الهند علاء الدين محمود، أو في السنة الماضية، وتسلطن بعده ابنه غياث الدين.
ومات بالموصل العلامة المتكلم النحوي السيد ركن الدين حسن ابن شرف شاه الحسيني الأسترابادي صاحب التصانيف. توفي في المحرم وقد شاخ. وكان يبالغ في التواضع ويقوم لكل أحد حتى للسقاء. وكان لا يحفظ القرآن إلا بعضه. وكانت جامكيته في الشهر ألفا وثمانمائة درهم.
ومات بدمشق الزاهد محيي الدين علي بن محتسب دمشق فخر الدين محمود بن سيما السلمي، في صفر ببستانه، عن أربع وثمانين سنة. روى عن أبيه حضورا، وعن ابن عبد الدايم.، وأجاز له ابن دحية والإربلي وجماعة. وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس، رحمه الله.
ومات بدمشق مدرس الظاهرية والأتابكية العلامة شيخ الشيوخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم الأرموي، ثم الهندي الشافعي، في صفر، عن إحدى وسبعين سنة. ولد بالهند، وتفقه بها على جده لأمه الذي توفى سنة ستين وستمائة. وسار من دلي في سنة سبع وستين إلى اليمن، ثم حج وجاور ثلاثة أشهر، وجالس ابن سبعين، ثم قدم مصر، ودخل الروم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها. ودرس وتميز واجتمع بالسراج الأرموي، ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري، وتصدر للإفادة وناظر وصنف. وأخذ عنه ابن الوكيل والفخر المصري والكبار. وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد. وكان يحفظ ربع القرآن.
ومات بمصر العلامة المفتي شمس الدين بن العونسي محمد بن أبي القاسم ابن جميل الربعي المالكي، وله ست وسبعون سنة. ولي قضاء الإسكندرية مدة.
ومات بحلب تاج الدين أبو المكارم محمد بن الشيخ كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي، عن أربع وسبعين سنة. مكثر عن يوسف ابن خليل.، وكان مدرس العصرونية، ووكيل بيت المال، وولي مرة نظر الأوقاف، وكتابة الإنشاء.
ومات في ذي القعدة فجأة قاضي القضاة مسند الشام تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، وله ثمان وثمانون سنة. روى الصحيح عن ابن الزبيدي حضورا. وسمع من ابن اللتي وجعفر وابن المقير وكريمة وابن الجميزي والحافظ الضياء، وأجاز له عمر بن كرم وأبو الوفا محمود بن مندة وشهاب الدين السهروردي. وله معجم في مجلدين، عمله ابن الفخر، وكان بصيرا بالمذهب دينا متعبدا متواضعا كثير المحاسن واسع الرواية، أفتى نيفا وخمسين سنة. وتخرج به الفقهاء.
ومات في ذي الحجة بمصر العدل المعمر عز الدين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي الحنفي، وله سبع وثمانون سنة. روى عن الإربلي حضورا، وعن مكرم والسخاوي وابن الصلاح وجماعة. وتفرد، ورحل إليه.
ومات في ذي الحجة العدل ناصر الدين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم، عن تسع وسبعين سنة. سمع المرجا بن شقيرة، ومكي وابن علان وأبا عمرو بن الصلاح وعدة. وله مشيخة وأجاز له ظافر ابن شحم وابن المقير، وتفرد بأشياء.


سنة ست عشرة وسبعمائة
ولي القاضي حسام الدين القرمي قضاء طرابلس. وشمس الدين بن مسلم قضاء الحنابلة بدمشق. ودخل مهنا إلى الشرق فأكرمه خربندا إلى الغاية، فقيل: لم يقبل منه إلا اليسير، والتزم بحفظ البلاد من الغارات. وولي وكالة الشام ابن الشريشي جمال الدين.
ومات العدل الرئيس شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الخطيري الدمشقي. ولي نظر الخزانة، ونظر الجامع، ونظر المارستان، وحدث عن ابن رواج، وبالإجازة عن علي بن الجمل، وابن الصفراوي وطائفة. وعاش إحدى وثمانين سنة. توفي في جمادى الأولى. وكان دينا، صينا، أمينا، وافر الجلالة.
ومات نائب طرابلس كشتيه الناصري. ومات الأديب البارع المحدث علاء الدين علي ابن مظفر ابن إبراهيم الكندي، ويعرف بكاتب ابن وداعة، عن ست وسبعين سنة. تلا بالسبع على العلم القاسم وغيره. وسمع من البكري، وإبراهيم بن خليل وطبقتهما، ونسخ الأجزاء. وكان من جياد الطلبة على رقة في دينه، وهنات. وله النظم، والنثر وحسن الكتابة. ولي مشيخة النفيسة مدة وكتابة الإنشاء ووقف التذكرة الكندية.
ومات العلامة النجم سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي الشيعي الشاعر، صاحب شرح الروضة، وكان على بدعته كثير العلم عاقلا متدينا. مات ببلد الخليل كهلا.
وماتت مسندة الوقت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية في شعبان فجأة عن اثنتين وتسعين سنة. روت عن أبيها القاضي شمس الدين وابن الزبيدي. وحدثت بالصحيح ومسند الشافعي بدمشق ومصر مرات. وكانت على خير.
ومات سلطان التتار غياث الدين خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاكو، هلك من هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة. وتملك بعده ابنه أبو سعيد.
ومات المعمر المقرئ المسند صدر الدين أبو الفدا إسماعيل بن يوسف ابن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي، بدمشق في شوال، عن ثلاث وتسعين سنة. سمع ابن اللتي ومكرما وابن الشيرازي والسخاوي، وقرأ عليه بثلاث روايات. وكان فقيها بالمدارس ومقرأ بالزويزانية. وله أملاك. وتفرد بأجزاء.
ومات بدمشق شيخ التجويد نجم الدين موسى بن علي الكاتب بن البصيص عن خمس وستين سنة.
وماتت بحماة أم أحمد فاطمة بنت النفيس محمد بن الحسين بن رواحة. روت أجزاء عن عمها بمصر وطرابلس. سمعنا منها.
ومات الشيخ العلامة ذو الفنون صدر الدين محمد بن الوكيل خطيب دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل الشافعي بمصر، في الرابع والعشرين من ذي الحجة، وله إحدى وخمسون سنة وثلاثة أشهر. ولد بدمياط، ونشأ بدمشق. وسمع من ابن علان والقاسم الإربلي. وأفتى وله اثنتان وعشرون سنة. وحفظ المقامات في خمسين يوما، وتخرج به الأصحاب. وكان أحد الأذكياء، وله نظم رائق ومزاح، عفا الله عنه.
ومات بسبتة عالمها المقرئ النحوي ذو العلوم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد أبن عيسى الغافقي الإشبيلي، وله خمس وسبعون سنة. سمع التيسير من ابن جوبر بسماعه من ابن أبي جمرة، وبحث كتاب سيبويه على ابن أبي الربيع، وتلا بالسبع. وله تصانيف وجلالة وتلامذة.


سنة سبع عشرة وسبعمائة
فيها عمل جامع النائب، وتنازع العلماء في إقامة قبلته، ثم ترخصوا في انحرافه مغربا.
وفي صفر الزيادة العظمى ببعلبك، فغرق في البلد مائة وبضعة وأربعون نسمة، وخرق السيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا، ثم تدكدك بعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع، فكان ذلك آية بينة. وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع.
وفيها قدم السلطان إلى غزة وإلى الكرك ثم رجع.
وفيها ظهر جبلي ادعى أنه المهدي بجبلة، وثار معه خلق من النصيرية والجهلة فقال: أنا محمد المصطفى. ومرة قال: أنا علي. وتارة قال: أنا محمد بن الحسن المنتظر. وزعم أن الناس كفرة، وأن دين النصيرية هو الحق، وأن الناصر صاحب مصر قد مات. وعاثوا بالساحل واستباحوا جبلة، ورفعوا أصواتهم بقول: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان. ولعنوا الشيخين، وخربوا المساجد، وكانوا يحضرون المسلم إلى طاغيتهم ويقولون: اسجد لإلهك. فسار إليهم عسكر طرابلس وقتل الطاغية وجماعة وتمزقوا.
وفيها أعيدت إمرة العرب إلى مهنا. وفي أول جمادى الأولى جلس على تخت الملك السلطان أبو سعيد بن خربندا بالسلطانية، وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وفيه سار السلطان الملك الناصر إلى القدس، وزار الخليل عليه السلام، ودخل الكرك وتصيد، ثم رجع.
ومات المحدث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبني الصوفي في المحرم عن سبع وأربعين سنة. روى عن الفخر علي، وتاج الدين الفزاري. وكان دينا تقيا مؤثرا كثير المحاسن.
وقتل وزير التتار ومدبر دولتهم رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير الهمذاني الطبيب، كان أبوه يهوديا عطارا، فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة وأسلم، واتصل بقازان، وعظم في دولة خربندا بحيث أنه صار في رتبة الملوك. قام عليه الوزير علي شاه وغوث بأنه الذي قتل القان خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيأ، فخارت قواه. فاعترف وبرطل جوبان بألف ألف دينار، فما نفع بل قتل هو وابنه. وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء. فسر القرآن فشحنه بآراء الأوائل. وعاش نيفا وسبعين سنة. وقيل: بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد.
ومات بدمشق قاضي المالكية المعمر جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزواوي عن بضع وثمانين سنة. وبقي قاضيا ثلاثين سنة. وأصابه فالج سنوات، ثم عجز، فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلامة فخر الدين أحمد بن سلامة الإسكندراني. حدثنا الزواوي عن الشرف المرسى وابن عبد السلام.
ومات شمس الدين محمد بن الصلاح موسى بن محمد بن خلف بن راجح الصالحي الحنبلي، في جمادى الآخرة في عشر الثمانين. سمع من ابن قميرة والرشيد بن مسلمة وجماعة. وله نظم جيد.
ومات القاضي الأثير شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب السر بمصر، ثم بدمشق، في رمضان عن أربع وتسعين سنة. وكان دينا، عاقلا، وقورا، ناهضا بفنه، مشكورا، مليح الخط والإنشاء. روى عن ابن عبد الدايم. رثاه شهاب الدين محمود الذي ولي بعده كتابة السر، وعلاء الدين بن غانم وجمال الدين بن نباتة. وخلف أموالا.
ومات بعده بيسير بمصر القاضي الأديب علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي، من كبار المنشئين وعلمائهم. ورثاه الشهاب محمود بقصيدة أولها:
الله أكبر أي ظل زالا... عن آمليه وأي طود مالا
أنعي إلى الناس المكارم والندا... والجود والإحسان والإفضالا
ومات المفتي شرف الدين حسين بن الكمال علي بن سلام الدمشقي، مدرس العذراوية وغيرها. وكان من الأذكياء.
ومات بمصر رفيقنا المحدث الرئيس فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي، معيد المنصورية عن اثنتين وخمسين سنة. حدث عن أبي حفص بن القواس وطبقته، وارتحل، وحصل، وكتب، وخرج. وكان يحفظ أحزابا من القرآن، ولكنه نديم أخباري.
ومات المقرئ زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الإسكندراني إمام مسجد قداح. سمع من ابن رواج ومظفر بن الفوي.، توفي في ذي الحجة.


سنة ثمان عشرة وسبعمائة
كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر، وأكلت الميتة، وبيعت الأولاد، وجلا الناس. ومات بعض الناس من الجوع، وجرى ما لا يعبر عنه. وكان أهل بغداد في قحط أيضا دون ذلك. وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة، وحملت الجمال في الجو.
وأبعد السلطان أكبر أمرائه طغية إلى نيابة صفد، ثم إنه أمسكه وأمسك جماعة أمراء.
ومات في صفر بزاويته الإمام القدوة، بركة الوقت، الشيخ محمد بن عمر ابن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي عن سبع وستين سنة. روى لنا عن أصحاب ابن طبرزد. وكان محمود الطريقة، متين الديانة.
ومات بمصر قاضي المالكية زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري عن ثلاث وثمانين سنة. وكانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة من بعد ابن شاس. حدث عن المرسي وغيره. وكان مشكور السيرة. وولي بعده تقي الدين بن الإخنائي.
ومات بالقاهرة الجلال محمد بن محمد بن عيسى بن الحسن القاهري، طباخ الصوفية. حدث عن ابن قميرة وابن الجميزي والساوي وطائفة.
ومات بدمشق الإمام الكبير أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التجيبي القرطبي، إمام محراب المالكية ووالد إمامه، في رجب، وله ثمانون سنة. وكان من العلماء العاملين، ومن بيت فضل وجلالة. حدثنا عن الفخر بن البخاري.
ومات في رمضان شيخ تبريز الإمام القدوة، القانت المذكر، تاج الدين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين أبي حامد التبريزي الأفضلي الشافعي الواعظ، أدركه أجله بعد حجه ببغداد كهلا.
ومات مسند الوقت الصالح أبو بكر بن المسند زين الدين أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي في رمضان، عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر. سمع حضورا في سنة سبع وعشرين، وسمع من ابن الزبيدي والناصح والإربلي والهمذاني وسالم بن صصرى وطائفة. وتفرد. وكان ذا همة وجلادة وذكر وعبادة، لكنه أضر وثقل سمعه.
ومات في شوال بطريق الحجاز العلامة المفتي كمال الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن الشريشي الوائلي البكري الشافعي، وكيل بيت المال، وشيخ دار الحديث، وشيخ الرباط الناصري، عن خمس وستين سنة. حدث عن النجيب وغيره.
ومات بدمشق شيخ القراء والنحاة والبحاثين، مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي، في ذي القعدة، عن اثنتين وستين سنة. أخذ القراءات والنحو عن الشيخ حسن الراشدي، وتصدر بتربة الأشرفية، وبأم الصالح. وتخرج به الفضلاء. وكان دينا صينا ذكيا. حدثنا عن الفخر علي.
وماتت بالصالحية زينب بنت عبد الله بن الرضى، عن نيف وثمانين سنة. روت عن الحافظ الضياء وتفردت بأجزاء.
ومات الشهاب المقرئ الجنائزي أحمد بن أبي بكر ابن حطة البغدادي أبوه، الدمشقي، صاحب الألحان والصوت الطيب. وله نظم ونثر وفضائل وظرف ومنادمة تقرأ قدام الوعاظ. عاش خمسا وثمانين سنة. توفي في ذي القعدة.
ومات في ذي الحجة بدمشق قاضي المالكية العلامة الأصولي البارع فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني عن سبع وخمسين سنة. كان حميد السيرة، بصيرا بالعلم محتشما.


سنة تسع عشرة وسبعمائة
ولي الوكالة القاضي جمال الدين أحمد بن القلانسي. ودرس بالناصرية ابن صصرى، كلاهما بعد ابن الشريشي، وشرعوا في الصحيح. وقل الغيث بدمشق فاستسقوا، وعين للخطبة خطيب العقيبة الشيخ القدوة صدر الدين تلميذ النووي، وصلى بالناس بوطأة طبريا، ثم سقوا.
وعزل القرماني عن حمص، بسيف الدين البدري. وسمر بيليك غلام رئيس المزة، وشنقت زوجته خنقا أمرارا ثلاثة، ثم قتل المسمر في ثامن يوم.
وقدم على قضاء المالكية شرف الدين محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمذاني النويري، ونائبه شمس الدين القفصي.
واختلفت التتار وكرهوا نائب أبي سعيد جوبان والتقوا، فقتل بينهم أكثر من عشرين ألفا، والسبب أن القان انحصر من نائبه لاستبداده بالأمور وحجر عليه في أشياء، فتنفس إلى خاله إيرنجي وإلى قرمشي ودقماق فقالوا: نحن نقتل جوبان. واتفقوا على كبسته، وانضم إليه أمراء، فعمل قرمشي لجوبان دعوة، ففهم واحترز، وهرب ليلا في نفر، وأقبل قرمشي فلم يجده، فوقع القتال، وقتل نحو الثلاثمائة. ثم ساق قرمشي خلف جوبان، ووصل جوبان إلى مرند فأكرمه متوليها، وأمده بخيل ورجال، وقصد تبريز فتلقاه علي شاه الوزير وقبل الأرض له وذهب معه إلى أبي سعيد، فاعتذر أبو سعيد ولعن أولئك، وقال الوزير له: يا ملك الوقت، جوبان والد مشفق وهؤلاء يحسدونه، ولو قتلوه لتمكنوا منك وتعجز عنهم، فجمع القان العساكر وأقبل من الروم دمرتاش بن جوبان، وأقبل قراسنقر بجموعه في زي عساكر الشام، وسار معهم القان، فالتقى الجمعان، وذل إيرنجي لما رأى القان عليهم، ثم انكسر وقتلت أبطاله، ثم أسر هو وقرمشي ودقماق وأخوه، وعقد لهم مجلس فقالوا: ما عملنا شيئا إلا بأمر الملك، وحاققوا أبا سعيد فصمم وكذبهم. وقال إيرنجي: هذا خطك معي. فجحد وسلمهم إلى جوبان فعذبهم وقتلهم، وتمكن. وكان إيرنجي جبارا ظالما، ولي الروم ثم العراق. وكان أبوه البياخ نائب القان أرغون. وقيل إن جوبان أباد سبعة وثلاثين أميرا ممن خرج عليه، واستباح أموالهم. وكان دقماق دينا متصدقا حسن الإسلام محبا في العرب. ثم خمدت الفتنة بعد استئصال كبار المغل.
وفي رمضان جاء بدمشق سيل عظيم وذهب كثير من مساطب السفرجل، ولم أر قط ماء أعكر منه، لعل في الرطل منه ثلاث أواق تراب. فخنق سمك بردى وطفا، فأخذه الناس. ثم بعد يوم فرغ الماء وعاد وادي مرج شعبان يبسا كما كان. وكانت سنة قليلة المياه حتى نشفت قناة زملكا.
وجاء كتاب سلطاني بمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق، وجمع له القضاة، وعوتب في ذلك، واشتد المنع. فبقي أتباعه يفتون بها خفية.
وحج مولانا السلطان من مصر.
وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة، فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا، ولم يقتل من عرف من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا. إن في ذلك لآية. فلله الحمد على هذا النصر المبين. واشتهرت هذه الكائنة وصحت لدينا، ونقلها جماعة، منهم رفيقنا المحدث أبو عبد الله بن ربيع، وكان هناك على بيع الغنيمة فقال: لما بلغ العدو حال السلطان الغالب بالله أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن الأحمر، وأنه محصن لبلاده استنفروا من جميع بلادهم، ودخل دونبترة صاحب قشتالة إلى الباب بطليطلة فأذن له وقوى عزمه ليستأصل ما بقي بالأندلس للمسلمين. فاستنجد ابن الأحمر بصاحب فاس المريني، فلم يتحرك ولجأ الخلق إلى الله، واستغاثوا به، فأقبل الكفر في جيش ناهيك أنه اشتمل على خمسة وعشرين سلطانا، وأتوا غرناطة، ونزلوا على نهر شنيل ممتدين، فعزم السلطان ابن الأحمر على أمير جيوشه الصالح المجاهد أبي سعيد عثمان بن أبي العلا أن يبرز إليهم بالعسكر في نصف ربيع الآخر، وذلك يوم عيد العنصرة للعدو، وخرج من رجالة غرناطة نحو خمسة آلاف من المطوعة، فعزم عليهم أبو سعيد أن يرجعوا حياطة لهم، وأن يكون طريق الخيل لهم مصاحبا لكونه أمنع، وأوصاهم أن يثبتوا بمكان عينه لهم، وترجل أبو سعيد وبكى وسجد، فضج الخلق بالدعاء وحرك الفرسان الحرب، فاستشهد أمير رندة، فجاشت لمصرعه نفوس الأبطال وحمي القتال، ووجه أبو سعيد إلى الرجالة أن يسرعوا إلى خيام العدو، فبادروا، ونزل الخذلان على عباد الصليب، وعمل فيهم السيف أكثر النهار، وحاز المسلمون غنيمة لم نسمع بمثلها، وقتلت ملوكهم الكل، وأقل ما قيل أن عدد القتلى خمسون ألفا، ومنهم طاغيتهم الأكبر دونبترة. فصبر وعلق على باب غرناطة.، ورتب للأسارى ولمن يحرسهم كل يوم خمسة آلاف درهم. وقيل كان عدة فرسان المسلمين ألفين وخمسمائة،. وقيل أقل من ذلك. وذلت النصارى والتمسوا عقد هدنة. وعندي هذه الغزوة المباركة مطولة مفصلة صحيحة.
ومات بدمشق في المحرم الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي المقرئ عن سبع وسبعين سنة. وله مشيخة. حدثنا عن عمه الرشيد بن مسلمة وابن علان وجماعة، وعن السخاوي حضورا. وكان فيه خير وقناعة.
وماتت بحماه نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النصيبي. روت لنا عن يوسف بن خليل.
ومات بدمشق القاضي المفتي شيخ القراء شهاب الدين حسين بن سليمان ابن فزارة الكفري الحنفي في شعبان، عن اثنتين وثمانين سنة. تلا بالسبع على علم الدين القاسم. أخذ عنه خلق. وحدث عن ابن طلحة وغيره. وكان دينا خيرا عالما فقيها.
ومات بدمشق الأمير سيف الدين غرلو العادلي الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين. وكان أحد الشجعان العقلاء. وله تربة مليحة بقاسيون.
ومات بدمشق غريبا الإمام الصدر كبير الرؤساء بدر الدين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري، وله سبع وستون سنة. روى عن ابن إبراهيم بن خليل، والكمال الضرير، وجماعة. وتلا بالسبع وتفقه. وكان فيه دين ونزاهة ويذكر للوزارة.
ومات بمصر شيخها الإمام القدوة العابد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي المقرئ بزاويته بالحسينية، في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن خليل وجماعة. وتلا بثلاث على الكمال الضرير، وتفقه وانعزل، ثم اشتهر وزاره الأعيان، وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبه. وله سيرة ومحاسن جمة، إلا أنه كان يغلو في ابن العربي ونحوه، ولعله ما فهم الاتحاد.
ومات مسند الوقت شرف الدين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم في الأشجار، ثم السمسار في العقار، في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة. سمع الصحيح بفوت من ابن الزبيدي، وسمع من الإربلي حضورا، وسمع من ابن اللتي وجعفر وكريمة والضياء، وتفرد، وتكاثروا عليه. وكان أميا عاميا.
ومات بمالقة شيخها العلامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن ابن ربيع القرطبي، عن ثلاث وتسعين سنة. تفرد بالسماع من الدباج، وأبي علي الشلوبين والكبار.


سنة عشرين وسبعمائة
حج مع السلطان الأمير عماد الدين الأيوبي فسلطنه السلطان على حماة، ولقب بالملك المؤيد.
وقتل بمصر إسماعيل بن سعيد الكردي المقرئ على الزندقة وسب الأنبياء. وقتل بدمشق عبد الله الرومي الأزرق مملوك التاجي، ادعى النبوة وأصر.
وعمل عقد السلطان على أخت أزبك التي قدمت في البحر. وخلع على الكريم، وابن جماعة، وكاتب السر وغيرهم.
وغضب السلطان على آل فضل، واحتيط على إقطاعهم بعد أن أعطاهم قناطير من الذهب، بحيث أنه أعطاهم في عام أول ألف ألف وخمسمائة ألف درهم.
وغزا الجيش بلاد سيس، لكن غرق في نهر جهان منهم خلق.
وحبس بقلعة دمشق ابن تيمية لإفتائه في الطلاق.
وأمسك نائب غزة الجاولي.
وجاء بالسلطانية برد كبار وزنت منه واحدة ثمانية عشر درهما فاستغاث الخلق وبكوا، فأبطلت الفاحشة، وبددت الخمور أجمع بهمة علي شاه الوزير، وزوج من العواهر خمسة آلاف في نهار واحد. وشقق آلاف من الظروف.
وأنشئ الجامع الكريمي بالقبيبات، وسيق إليه ماء كثير.
وحج الرجبيوون، منهم الفخر المصري والواني وأبوه البرهان وابن الفخر والنويري والموفق الحنبلي وشمس الدين الحارثي.
ثم حج من مصر ابن الحريري وابن عوض القاضيان والمجد حرمي وشيخ الحنفية الفخر التركماني ونائب المملكة أرغون والفخر كاتب المماليك. فكانت محامل المصريين بضعة وعشرين محملا.
وحج العراقيون بسبيل ومحمل سلطاني عليه من الذهب والجواهر ما قوم مائتين وخمسين ألف مثقال.
وحج الشيخ صدر الدين بن حمويه، وابن عبد المحسن، ومدرس المستنصرية ابن العاقولي، وابن منتاب، وخال السلطان أبي سعيد في كبار من المغول، وصاحب هراة غياث الدين. وكان الصلح والهدايا بين سلطان الإسلام وأبي سعيد، واطمأن الناس، ولله الحمد. فمن هدية أبي سعيد على يد ابن ياقوت: سيف المعتصم، وخوذة مكفتة عليها كثير من القرآن، وخيمة سقلاط، وخركاه مجوهرة، وبخاتي، ومماليك، وجوار، وثياب. وكانت وقفة عرفة الجمعة باتفاق. وكان الوفد لا يحصون كثرة في مقدار العادة ثلاث مرات أو أكثر.
ومات بمصر القاضي الإمام المعمر زين الدين أبو القاسم محمد بن العلم محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق المالكي، في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة. ولي قضاء الإسكندرية اثنتي عشرة سنة. وذكر لقضاء دمشق. حدثنا عن ابن الجميزي، وله نظم وفضائل.
ومات في ربيع الآخر بمصر المعمر المقرئ الرحلة أبو علي الحسن بن عمر بن عيسى الكردي الدمشقي بن فراش تربة أم الصالح، عن نيف وتسعين سنة. سمع من ابن اللتي كثيرا وهو حاضر، والموطأ من المكرم وسمع من السخاوي وقرأ عليه ختمة. سكن بالجيزة زمانا يرتزق ببيع ورق ظهر في سنة اثنتي عشرة. وثقل سمعه بآخره، بحيث أنه حدث بالأول من حديث ابن السماك تلقينا. وكان رأس ماله نحوا من درهمين ثم وصلوه بدراهم، منها في مرة مائة درهم، وأكثروا عنه.
ومات العدل الفقيه كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن ابن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي، في ربيع الآخر، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان خطيب جامع المنشية. حدثنا عن السبط. اختلط قبل موته بنحو من أربعة أشهر، فما إخاله حدث فيها.
وقتل حميضة بن أبي نمي الحسني صاحب مكة كان، ثم نزع الطاعة فتولى أخوه عطيفة. قتله جندي التصق إليه بالبرية غيلة، ثم قتله السلطان لغدره.
ومات بمصر المحدث العدل الكبير شرف الدين يعقوب بن أحمد بن الصابوني، عن ست وسبعين سنة. حدثنا عن ابن عزون وابن علاق وكتب وقرأ وحصل، وتميز في كتابة السجلات. وولي مشيخة المنكودمرية.
ومات بدمشق النحوي اللغوي الأديب البارع شمس الدين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري، ثم الدمشقي الصايغ عن خمس وسبعين سنة. وله النظم والنثر والتصانيف. تخرج به فضلاء.
ومات بمصر القاضي الصدر فخر الدين أبو الهدى أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب الكاتب، تفرد بأجزاء عن سبط السلفي. عاش سبعا وسبعين سنة.
ومات بدمشق المسند الجليل شرف الدين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي التاجر الحريري ابن النشو، في شوال عن ثمانين سنة. حدثنا عن ابن رواج والساوي وابن الجميزي وابن الحباب. وتفرد بعوال.
ومات بحلب يوم الفطر الشرف عبد الرحيم بن محمد بن أبي طالب عبد الرحمن بن العجمي، المعروف بالتتاري لأنه أسر بأيدي التتار من حلب وقدمها بعد خمسين سنة. سمع من يوسف بن خليل جزء محمد بن عاصم حضورا. وسمع من جده والضياء صقر ومحمد بن أبي القاسم القزويني. عاش بضعا وسبعين سنة.
ومات في شوال بدمشق المعمر الصالح أمين الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلبي الصفار عن نيف وتسعين سنة. حدثنا عن صفية القرشية، وشعيب الزعفراني، والساوي، وابن خليل. وتفرد وأكثروا عنه.


سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
فيها أطلق ابن تيمية بعد حبس خمسة أشهر.
وأقبلت الحرامية في جمع كثير فنهبوا في بغداد علانية سوق الثلاثاء، فانتدب لهم عسكر فقتلوا فيهم مقتلة نحو المائة، وأسروا جماعة.
وأنشئ بالقابون جامع مليح بأمر كريم الدين.
وكان بالقاهرة الحريق الكبير المتتابع، وذهبت الأموال ودام أياما في أماكن، ثم ظفر بفاعليه، جماعة من النصارى يعملون قوارير ينقدح ما فيها ويحرق. فقتل جماعة وكان أمرا مزعجا. قيل: فعلوا ذلك لإخراب كنيسة لهم.
وأخرب ببغداد بازار الفاحشة، وأريقت الخمور، ثم قتل اثنان لإخفائهما الخمر. وجدد بمسجد القصب جمعة. وأخربت كنيسة اليهود.
وحج نائب دمشق وفي صحبته خطيب البلد جلال الدين، والقاضي جلال الدين الحنفي، والصاحب عز الدين حمزة، وقاضي الركب النجم الدمشقي، وعلم الدين البرزالي.
ومات شيخ الشيعة بدمشق وفاضلهم، محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني في صفر عن ست وثمانين سنة. وكان لا يغلو ولا يسب معينا، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة والعراقي ومكي بن علان. وتلا بالسبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الحلبي الرافضي. وأخذه معه منصور صاحب المدينة فأقام بها سنوات، وكان يتشيع به سنة، ويتسنن به رافضة. وفيه اعتزال.
ومات بالفيوم خطيبها الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدين أحمد بن القاضي معين الدين أبي بكر الهمداني المالكي صهر الوزير تاج الدين بن حنا. وكان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم، عزى به الناس أخاه قاضي القضاة شرف الدين المالكي.
ومات بمردا المعمر عبد الله بن أبي الطاهر بن محمد، خاتمة من سمع من الحافظ الضياء.
ومات بجوبر الشيخ مجد الدين إسماعيل بن الحسين بن أبي التائب الأنصاري الكاتب. روى عن مكي بن علان والرشيد العراقي وجماعة. وطلب بنفسه، وأخذ في النحو عن ابن مالك.
ومات بمصر الرئيس تاج الدين أحمد بن المجير محمد بن الشيخ كمال الدين علي بن شجاع القرشي العباسي في جمادى الأولى، وله تسع وسبعون سنة. روى عن جده الكمال الضرير وابن رواج والسبط. حدث بالكرك لما ولي نظرها.
ومات بمكة في جمادى الآخرة العارف الكبير الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشافعي، تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي، عن ثمان وسبعين سنة. جاور بمكة مدة، وما زار النبي ﷺ فيما انتقد عليه الشيخ علي الواسطي. رحمهما الله.
ومات بدمشق العدل المسند بهاء الدين إبراهيم بن المفتي شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن نوح بن المقدسي الدمشقي في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن ابن مسلمة وابن علان والمرسي، وله أوقاف على البر. وفيه خير وتصون.، وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق.
ومات العدل المسند علاء الدين علي بن يحيى بن علي بن الشاطبي الدمشقي الشروطي، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة. روى شيئا كثيرا. سمع ابن مسلمة وابن علان والمجد الإسفراييني وعدة، وتفرد.
ومات كبير الحجاب زين الدين كتبغا، رأس النوبة بدمشق، وكان فيه كرم وخير.
ومات في ذي الحجة صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني بتعز. وكانت دولته بضعا وعشرين سنة. وكان عالما، فاضلا، سائسا، شجاعا، جوادا، له كتب عظيمة نحو مائة وألف مجلد. وكان يحفظ التنبيه وغير ذلك.
ومات بدمشق الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني، ثم الخشاب المعمار، في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن التقي بن العز وغيره. وبالإجازة عن ابن اللتي وابن المقير وابن الصفراوي، وتفرد.
ومات بمصر المحدث الرحال تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمذاني ثم المصري المهلبي، عن نيف وسبعين سنة. حمل عن إسماعيل بن عزون والنجيب وطبقتهما. وحصل وتعب، ثم انقطع ولزم المنزل مدة لم أره، وكان صوفيا. ارتحل وسمع من ابن أبي الخير. ساء خلقه.
ومات بالصالحية مسند الوقت سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي في ذي الحجة عن تسعين سنة وتسعة أشهر. روى عن ابن اللتي حضورا، وعن جعفر والمرسي وطائفة. وأجاز له ابن روزبة والقطيعي وعدة. وتفرد واشتهر اسمه، مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع. وتفرد بإجازة ابن صباح فيما أرى. وهو والد المحدث شمس الدين.
ومات عالم المغرب الحافظ العلامة أبو عبد الله بن رشيد الفهري في المحرم بفاس، عن أربع وستين سنة.


سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة
درس بالظاهرية القحفازي بعد موت ابن العز الحنفي.
وفيها حوصرت آياس وأخذت.
ومات بدمشق المسند أبو عبد الله محمد بن المحب علي بن أبي الفتح بن السنجاري الدمشقي، في رمضان عن إحدى وثمانين سنة. سمع ابن علان والرشيد العراقي والبلخي. وخرجوا له مشيخة.
ومات المسند المعمر الإمام محيي الدين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي المؤدب. ولي نظر الحلق والسبع مدة. وكان عابدا كثير التلاوة جدا، تخضع له الشيعة. وهو والد النقيبين زين الدين حسين، وأمين الدين جعفر. وجد النقيب ابن عدنان وابن عمه. عاش ثلاثا وتسعين سنة. وكان له معرفة وفضيلة. وفيه انجماع وانقباض عن الناس.
ومات العلامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي بمكة، في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة. يروي الموطأ عن ابن أبي الربيع عن ابن بقي، وكان صاحب فنون. ولي خطابة سبتة ثلاثين سنة. وتفقهوا عليه. ثم حج وبقي بمكة سبع سنين.
ومات بمصر المحدث الزاهد تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري. له رحلة وفضائل. يروي عن النجيب وابن علاق. مرض بالفالج مدة. توفي في ذي القعدة.
ومات بدمشق المحدث مجد الدين محمد بن محمد بن علي الصيرفي، سبط ابن الحبوبي، عن إحدى وستين سنة. روى عن ابن أبي اليسر ومحمد بن النشي. وشهد وحضر المدارس وقال الشعر. وعمل لنفسه معجما ضخما. وكان متواضعا ساكنا. توفي في رمضان.
ومات بالسفح المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي البجدي، في صفر، عن بضع وثمانين سنة. وكان ذا خشية وعبادة وتلاوة وقناعة. سمع من المرسي وخطيب مردا. وأجاز له ابن القبيطي وكريمة وخلق. وروى الكثير. وقال لي: لم ألحق ابن الزبيدي، ذاكره أخ لي مات صغيرا.
ومات بمكة شيخ الإسلام إمام المقام الشيخ رضي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي، في ربيع الأول، وله ست وثمانون سنة. وكان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتأله. روى عن شعيب الزعفراني وابن الجميزي وعبد الرحمن بن أبي حرمي والمرسي، وعدة. وأجاز له السخاوي وغيره. خرج لنفسه التساعيات، وتفرد بأشياء. رحمه الله.
ومات الصدر الكبير نصير الدين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي، صاحب الأموال، من أبناء السبعين. سمع الرضي بن البرهان، والنجيب، وابن عبد الدايم.
ومات بالقدس الزاهد الكبير جلال الدين إبراهيم ابن شيخنا زين الدين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي ابن القلانسي الكاتب، كان في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة. روى عن ابن عبد الدايم والكرماني، ودخل مصر منجفلا، وانقطع في مسجد فتغالوا فيه، ونوهوا بذكره وعظموه، وبنوا له زاوية، واشتهر. وحصل لأخيه عز الدين الحسبة ونظر الخزانة.
ومات مسند الإسكندرية العدل المعمر محيي الدين أبو القاسم عبد الرحمن ابن مخلوف بن جماعة بن رجاء الربعي المالكي، يوم التروية، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع من جعفر والتسارسي وابن رواج.، وتفرد،. مع صلاح وخير.
وماتت بالقدس المعمرة الرحلة أم محمد زينب بنت عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي، في ذي الحجة، عن أربع وتسعين سنة. سمعت من ابن اللتي والهمذاني. وتفردت بأجزاء كالثقفيات ومسندي عبد والدارمي. وارتحل إليها الطلبة. وحدثت بمصر وبالمدينة النبوية.
ومات بأسيوط في ذي الحجة الرئيس المعمر الكاتب زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الحموي الشافعي، عن أربع وتسعين سنة. واشتهر وسمع من جده لأمه أبي القاسم بن رواحة وصفية القرشية، وتفرد ورحل إليه. وله إجازة ابن روزبة والسهروردي وعدة.


سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
قدم على قضاء الشام جمال الدين الزرعي، فولي بعده تدريس المنصورية السبكي.
وأمسك الكريم المسلماني وكيل السلطان، وزالت سعادته التي كان يضرب بها المثل. وولي نظر الجيش بدمشق المعتز بن حشيش. وعزل قطب الدين السلامي ثم أشرك بينهما. وكان على نظر طرابلس أمين الملك، فاستعفى وأقام بالقدس مديدة، ثم طلب في هذا الحين. وولي وزارة مصر. وقدمت عمة قازان للحج فعظمت وأنزلت بالقصر الأبلق.
ومات مؤرخ الآفاق العالم المتكلم، كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد الشيباني البغدادي ابن الفوطي، في المحرم عن إحدى وثمانين سنة. وله تصانيف كثيرة وتواريخ كبار. روى عن الصاحب محيي الدين بن الجوزي وابن أبي الدينة وخلق. وطلب وكتب، وخطه فائق ونظمه رائق، وله هنات وبوائق. والله يسمح له.
ومات بدمشق في ربيع الأول قاضي دمشق ورئيسها الكامل نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن حسن بن صصرى التغلبي الشافعي.
وولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. سمع أباه وعميه وابن عبد الدائم. وحضر بمصر على الرشيد العطار. وأفتى ودرس. وله النظم والترسل والخط المنسوب والدروس الطويلة والفصاحة وحسن الشارة والمكارم، مع دين وحسن سريرة. ولي القضاء إحدى وعشرين سنة.
ومات بقاسيون الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى. توفي في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة. سمع من المرسي حضورا، ومن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا وطائفة. وأجاز له السبط، وكان خيرا كيسا متعففا منقطعا.
ومات كبير المتمولين بدمشق شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة الزرعي، عن ثمانين سنة. ودفن بتربة مليحة بطريق القابون. بلغت زكاته في عام قازان خمسة وعشرين ألفا، وفي دولة الظاهر كان رأس ماله ألف درهم.
ومات ببعلبك التاجر الرئيس جمال الدين عمر بن الياس بن الرشيد وله مائة سنة وسنة.
ومات بدمشق بالمارستان الإمام المحدث اللغوي صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم الدمشقي ثم القرافي الصوفي، في جمادى الآخرة، وله ست وسبعون سنة. سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر، وحدث عن النجيب والكمال بن عبد. وحفظ التنبيه. وحصل له لبس فكان إذا خلا تحدث وصيح، فإذا خالسته سكن، مع دين وتصون ومعرفة.
ومات مسند الشام بهاء الدين القاسم بن مظفر بن النجم محمود ابن تاج الأمناء بن عساكر، في شعبان، عن أربع وتسعين سنة ونصف. حضر في سنة تسع وعشرين على مشهور النيرباني، وحضر ابن غسان وكريمة وعبد الرحيم بن عساكر وابن المقير.، وسمع من ابن اللتي وجماعة. وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ معجمه سبع مجلدات، وألحق الصغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدثين. وكان طبيبا.
ومات الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي كهلا ببصرى. ولي الحسبة ثم الخزانة ثم الوزارة ثم الإمرة. ودرس أولا بمدارس بصرى. وكان مقدم خيول عربية، فتقدم بذلك.
ومات بصفد خطيبها وعالمها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي. وله تواليف، وتقدم في الأدب والمعقول. توفي في رمضان، من أبناء الثمانين.
ومات بالمزة ليلة عرفة مسند الوقت، شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن مميل الشيرازي الدمشقي، عن أربع وتسعين سنة وشهرين. سمع من جده القاضي أبي نصر والسخاوي وجماعة، وبمصر من العلم ابن الصابوني وابن قميرة، وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي والحسن بن السيد وقاضي حلب ابن شداد وخلق. وله مشيخة وعوال. وروى الكثير. وكان ساكنا وقورا منقبضا عن الناس. له كفاية. وكبر سنه وأكثر ولم يختلط.


سنة أربع وعشرين وسبعمائة
كان الغلاء بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياما. ثم جلب القمح من مصر بإلزام السلطان لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهما، ثم بقي أشهرا ونزل السعر بعد شدة. وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة ونصف. وعزل الزرعي عن القضاء بالقزويني بعد أن ألح الدولة على الشيخ برهان الدين الفزاري فامتنع وصمم.
وقدم ملك التكرور موسى بن أبي بكر الأسود في ألوف من قومه للحج، فنزل سعر الذهب درهمين. ودخل إلى السلطان فسلم ولم يجلس، ثم أركب حصانا بزنارين أطلس، وأهدى هو إلى السلطان أربعين ألف دينار، وإلى نائبه عشرة آلاف، وهو شاب عاقل حسن الشكل، راغب في العلم، مالكي. وولي قضاء حلب شيخنا ابن الزملكاني.
ومات بالثغر الشيخ ركي الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشاهد، ابن جابي الأحباس في صفر عن خمس وثمانين سنة. تفرد عن السبط بجزء سفيان، وبالدعاء للمحاملي ومشيخته.
ومات بمصر المفتي الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل البكري الشافعي كهلا، وهو الذي آذى ابن تيمية، والذي طرده السلطان وأراد قطع يده لفتاويه، وذم المنكر، فتنقل بأعمال مصر.
ومات بدمشق العدل المعمر القاضي شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي، في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة. سمع من ابن الصلاح من سنن البيهقي.
ومات الشيخ الزاهد محمد ابن المفتي جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الضال الذي حكم بضرب عنقه القاضي المالكي مرة بعد أخرى، ثم انسحب إلى مصر وإلى بغداد، ثم قدم متخفيا وسكن القابون. وكان فقيها بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة. وكان يتنقص الأنبياء ويتفوه بعظائم، وعاش ستين سنة. انقلع في ربيع الآخر.
ومات أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا بسلمية، ودفن عند أبيه. وكان عاقلا نبيلا فيه خير عاش نيفا وستين سنة. وهو أخو مهنا.
ومات قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري وله سبعون سنة. ولي حلب نيفا وعشرين سنة. وقبلها ولي بعلبك ونائب دمشق وولي حمص. وكان مسمتا مليح الشكل.
ومات وزير الشرق علي شاه أبي بكر التبريزي في جمادى الآخرة بأرجان وقد شاخ. وكان سنيا معظما لصاحب مصر محبا فيه.
ومات الإمام شرف الدين محمد بن الإمام زين الدين المنجا بن عثمان التنوخي، مدرس المسمارية عن خمسين سنة. وكان دينا صينا فاضلا.
ومات مخنوقا الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي المسلماني بأسوان. وكان نفي إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، ثم شنق سرا. وكان هو الكل وإليه العقد والحل، وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه. وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان. وكان عاقلا داهية سمحا وقورا. مرض نوبة فزينت مصر لعافيته. وكان يعظم الدينين، وله بر وإيثار. قارب سبعين سنة.
ومات في ذي الحجة بدمشق المفتي الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار الشافعي، ويلقب بمختصر النووي عن سبعين سنة. سمع ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وخرجت لهما معجما. وأصابه فالج أزيد من عشرين سنة. وله فضائل وتأله وأتباع. وكان شيخ النورية.


سنة خمس وعشرين وسبعمائة
في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار. وعمل في سد السكور كل أحد، ودثرت الحواضر، وغرق أمم من الفلاحين، وعظمت الاستغاثة بالله، ودام خمس ليال، وعملت سكورة فوق الأسوار. ولولا ذلك لغرق جميع البلد، وليس الخبر كالعيان. وقيل: تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا. وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل صعد بعضها في النخل. ولما نضب الماء نبت على الأرض شكل بطيخ كطعم القثاء.
وقدم دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني المتكلم المصنف، وله ستون سنة.
وسار من مصر نحو ألفي فارس نجدة لصاحب اليمن.
وضرب بمصر الشهاب بن مري التميمي المذكور، وسجن ثم نفي لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله، ومقت لذلك. ثم فر إلى أرض الجزيرة وأقام هناك سنين.
ورجع ملك التكرور موسى فخلع عليه السلطان خلعة الملك عمامة مدورة وجبة سوداء وسيفا مذهبا. وعملت خانقاه سلطانية كبيرة بسرياقوس وحضر السلطان والقضاة، ووليها المجد الأقصرائي.
ولم يثبت عيد الفطر إلى قبيل الظهر بدمشق. فصلى العيد خطيب العقيبة، ثم صلى الظهر، ثم صلاها خطيب البلد من الغد بالبلد، ولم يخرج إلى المصلى بل بعث الشمس النجار فخطب بالمصلى.
ومات بدمشق المحدث كاتب العدل الحكم، علاء الدين علي بن النصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي عن ثمانين سنة. روى عن الكمال الضرير الشاطبية، وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وطلب وكتب وتفقه وشارك في العلم وتميز في الشروط.
ومات الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس، وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر. وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح.
ومات بمصر الإمام شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري الشافعي الخطيب ابن الصايغ، في صفر، وله ثمان وثمانون سنة. تلا بالسبع على الكمالين الضرير وابن فارس، واشتهر وأخذ عنه خلق. ورحل إليه. وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركات قوية.
ومات بدمشق في ربيع الأول المعمر الشيخ عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني عن خمس وثمانين سنة. سمع من جده كثيرا والرشيد العراقي وابن خطيب القرافة وشيخ الشيوخ الحموي. وأجاز له الضياء والسخاوي. سمع منه نائب السلطنة الآثار للطحاوي، ووصله ورتب له درهما، ثم أضر وعجز.
ومات واقف الخان المشهور خطاب بن محمود العراقي الأمير بدمشق.
ومات الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي، شيخ الحديث بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة. حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه الوجيز للغزالي. وله مشاركات وشهرة.
ومات علامة الأدب علم البلاغيين شهاب الدين محمود بن سلمان بن فهد الحلبي كاتب السر بدمشق، في شعبان عن إحدى وثمانين سنة. وصلى عليه ملك الأمراء. أجاز له ابن خليل، وحدث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك. خدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة. وكان يكتب التقاليد على البديهة. وولى بعده ابنه شمس الدين.
ومات بالكرك قاضيها العلامة الورع نور الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الأميوطي الشافعي. حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة. وتفقه به الطلبة. وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره. وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس.
ومات بدمشق شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة. روى كثيرا عن ابن خليل، وعن عيسى الخياط، والضياء صقر، وعدة. وطلب الحديث، وحصل أصولا بمروياته. وخرج له ابن المهندس معجما قرأته. وكان لا بأس به.
ومات كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير ورأس الميسرة ونائب مصر قبل أرغون. بلغ الثمانين. توفي في رمضان بمصر.
ومات بدمشق في ذي القعدة الإمام شيخ الإسلام بقية الفقهاء الزهاد خطيب العقيبة صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الهاشمي الجعفري الحوراني الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تفقه بالشيخين محيي الدين وتاج الدين، وناب عن ابن صصرى. وبينه وبين جعفر الطيار ثلاثة عشر أبا والله أعلم. وكان متزهدا في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله، وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع، وفراغ عن الرعونات، وسماحة، ومروءة، ورفق. شيعه الخلق، وحمل على الرؤوس. وكان لا يدخل حماما. حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد. وكان عارفا بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنده، وإلى خصم فقير، وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله.


سنة ست وعشرين وسبعمائة
ضربت عنق الفقيه المقرئ ناصر بن الهيتي الصالحي على الزندقة الواضحة. وفرح المسلمون. وكان من أبناء الستين.
ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سرا، ثم أفشى ذلك عند المالكي وأحرق. ولم يتكهل. وهو بعلبكي.
وسار المحمدي رسولا إلى أبي سعيد القان. ونقل قرطاي من نيابة طرابلس إلى خبز القرماني الذي أمسك. وولي طرابلس طينال الحاجب.
وفي شعبان أخذ ابن تيمية وحبس بالقلعة في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه، وعزروا جماعة من أصحابه.
ووصل الماء الجاري إلى مكة من مال جوبان نائب التتار.
وأنشئت قيسارية الدهشة بسوق علي وسكنها أعيان التجار.
ومات في المحرم الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن السكاكري الشاهد. وكان رأسا في كتابة الشروط، وفيه شهامة، وحط على الكبار. ولكنه كان يتحرز في الشهادة. من أبناء الثمانين. ساء ذهنه بآخره. أجاز له عبد العزيز بن الزبيدي وهبة الله بن الواعظ والتستري وعدة. وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة.
ومات المعمر كبير السادة ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة. وكان رئيسا وسيما. حدث عن خطيب مردا. وذكر للنقابة.
ومات خطيب المدينة وقاضيها المفتي سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي عن تسعين سنة. وحدث عن الرشيد العطار، وأجازه الشرف المرسي والمنذري. وتفقه بابن عبد السلام قليلا، ثم بالسديد التزمنتي والنصير بن الطباخ. وخطب بالمدينة أربعين سنة. سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس.
ومات بمصر القاضي الإمام كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن النجيب وطائفة. قرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري. وله عليه حواش بخطه المنسوب. رثاه صاحبنا أبو بكر الرحبي. توفي في المحرم.
ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه محمد اليونيني صاحب التاريخ، عن ست وثمانين سنة وأشهر. حدث عن أبيه وشيخ الشيوخ، والرشيد العطار، وأبي بكر بن مكارم، وجماعة. وأجاز له ابن رواج وجماعة. وكان وافر الحرمة، له عقل ورأي وذكاء. توفي في شوال.
ومات بدمشق المقرئ المدرس الإمام زين الدين أبو بكر بن يوسف المزي بن الحريري الشافعي في ربيع الأول عن ثمانين سنة. كان كيس الجملة، عالما، متواضعا، مقرئا بالسبع. أخذ عن الزواوي. وحفظ الفقه والنحو، وحدث عن خطيب مردا والبكري وابن عبد الدايم، وله جهات.
وماتت المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم ابن علي بن الواسطي الصالحية في ربيع الآخر، عن ثلاث وتسعين سنة. سمعت جزء ابن عرفة من عبد الحق حضورا. وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره. وأجاز لها جعفر الهمذاني وكريمة وأحمد بن المعز وابن القسطي، وعدد كثير. وكانت مباركة صالحة.، روت الكثير. وهي والدة فاطمة بنت الدباهي.
ومات بالحلة شيخها العلامة المتفنن جمال الدين حسين بن يوسف ابن المطهر الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، من أبناء الثمانين بل أزيد.
ومات الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة. سمع من خطيب مردا السيرة في الخامسة. وسمع من اليلداني والبكري ومحمد بن عبد الهادي حضورا. ومن إبراهيم بن خليل. وأجاز له السبط وجماعة. وكان يخطب جيدا بالجامع المظفري.
ومات الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر ابن القطان بالعقيبة، وحمل على الرؤوس. وكان يقرئ القرآن، ويحكي عجائب عن الفقراء، وفيه زهد وتعفف. ويحضر السماع ويصيح. وله وقع في القلوب. وعاش ستا وتسعين سنة.
ومات مفتي العراق جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن البتي الحنبلي، أحد الأذكياء، كهلا. تخرج به الفضلاء في فنون.
ومات في شوال بقاسيون العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزراد الصالحي، عن ثمانين سنة. روى شيئا كثيرا. وتفرد. خرجت له مشيخة. روى عن البلخي ومحمد بن عبد الهادي واليلداني وخطيب مردا والبكري، وكان يروي المسند والسيرة ومسند أبي عوانة والأنواع والتقاسيم ومسند أبي يعلى، وأشياء. افتقر، واحتاج، وتغير ذهنه، واختلط قبل موته بعام أو أكثر.
ومات بالمدينة الإمام الزاهد التقي قاضي الحنابلة شمس الدين محمد بن مسلم بن مالك الصالحي، في ذي القعدة عن أربع وستين سنة وأشهر. وكان من قضاة العدل، بصيرا بمذهبه، عارفا بالعربية، كبير القدر، ولي إحدى عشرة سنة. وحج ثلاثا، وفي الرابعة أدركه أجله. ومولده في صفر أو في ربيع الأول سنة اثنتين وستين. روى عن ابن عبد الدايم حضورا، وطلب بنفسه، وقرأ وكتب بعد الثمانين، ومحاسنه جمة، رحمه الله.


سنة سبع وعشرين وسبعمائة
نقل قاضي حمص ابن النقيب إلى قضاء طرابلس، وقاضيها ناصر الدين الزرعي إلى قضاء حمص. وحاصر ودي بن جماز المدينة جمعة. ودخلوا وأحرقوا بابها وأسروا غلمان صاحبها كبيش، وهرب أخوه طفيل وابنه، وقتلوا القاضي هاشم بن علي العلوي وعبد الله بن العابد.
ودخل الأمير قوصون بابنة للسلطان.
وفي رجب كائنة الإسكندرية: ضرب رجل أفرنجيا عند باب البحر، فأنهي الحال إلى أميرها الكركري، فركب وأمر بغلق الأبواب، ودخل الليل على الناس. فمشى كبراء إلى الأمير في فتح الباب لهم ففتحه بعد العشاء، وخرجت الرماة، ثم انعصر الخلق في الباب، وجذبت السيوف، وخطفت العمائم، ومات نحو عشرة من الرض. فلما أصبحوا وخرج الأمير إلى الجمعة رجم، فعاد إلى بيته فجاءوا بقش وأحرقوا الباب وأخرجوا أهل الحبس، ووقع النهب في دارين أو ثلاثة لأعوان الوالي. فبطق الأمير إلى مصر وغوث، فتنمر السلطان واعتقد أنهم أخرجوا أمراء من سجنهم، فأمر ببذل السيف في الإسكندرية وهدمها، وجهز أربعة أمراء منهم الوزير الجمالي، فجاء وطلب قاضي البلد ونائبه وأهانهم، فقال نائبه، وهو التنيسي: ما يلزمنا، فلا تهن الشرع. فضربه كثيرا، وطلب التجار وسبهم وأخذ منهم أموالا عظيمة، ووسط ثلاثين نفسا، واختبط البلد، وصودر الكل حتى افتقر عدد كثير.
وطلب قاضي حلب ابن الزملكاني إلى مصر ليولى قضاء دمشق فمات ببلبيس.
وعرض قضاء دمشق على أبي اليسر بن الصايغ، وجاءه التشريف فصمم وامتنع وبكى، فأعفي مكرما. ثم قدم على المنصب الشيخ علاء الدين علي ابن اسماعيل القونوي. ثم بعده طلب ابن الزملكاني المذكور.
وجاء يوم الأضحى على بلبيس سيل عظيم وقاسوا شدة.
ومات في المحرم المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم الصالحي عن اثنتين وتسعين سنة. وسمع من عبد الحق حضورا، ومن ابن قميرة والمرسي واليلداني، وأجاز له الضياء الحافظ وابن يعيش النحوي. وروى جملة وتفرد.
ومات بمصر في المحرم النور علي بن عمر بن أبي بكر الواني الصوفي، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من ابن رواج والسبط والمرسي. وتفرد بعوال. وكان دينا، خيرا. أضر ثم أبصر.
ومات بالثغر الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاتي المغربي، ويعرف باللحياني، عن بضع وثمانين سنة. وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة. اشتغل زكريا في الفقه والنحو فبرع فيه. وتملك تونس. وحج سنة تسع وسبعمائة، ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة، ولقبوه بالقائم بأمر الله، فاستمر سبع سنين. ثم تحول إلى طرابلس المغرب، وأخذت منه تونس، فتوجه إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها. وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم -أعني ابن تومرت- من الخطب.
ومات بدمشق الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع عثمان بن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ. وكان ذا حظ من قيام وصيام وإطعام وإيثار تام. توفي في صفر. وكان بصيرا بالحساب، شارف الجامع مدة والخزانة.
ومات المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، في جمادى الأولى عن إحدى وستين سنة. وشيعه الخلق. روى عن ابن أبي اليسر حضورا. وسمع المسند والكتب الستة وأشياء.
ومات الملك الكامل الأمير ناصر الدين محمد بن السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل في جمادى الآخرة عن أربع وسبعين سنة. وأعطي خبزه لولده الملك صلاح الدين. حدثنا عن ابن عبد الدايم.
ومات بدمشق قاضي الحنفية صدر الدين علي بن الصفي أبي القاسم ابن محمد البصروي في شعبان ببستانه عن خمس وثمانين سنة. حدثنا عن ابن عبد الدايم. وكان رأسا في المذهب، مليح الشارة، كثير النعم، حكم بدمشق عشرين سنة. وأوصى بثلث ماله صدقة. وولي بعده ابن الطرسوسي.
ومات في سادس عشر شهر رمضان ببلبيس العلامة قاضي حلب فخر المجتهدين كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد خطيب زملكا الأنصاري الشافعي، وحمل فدفن بالقرافة. وولد في شوال سنة سبع وستين. أفتى وصنف وتفرد به الأصحاب، وكان سيال الذهن مليح الشكل، طلب ليشافهه السلطان بقضاء دمشق فأدركه الأجل. تفقه بتاج الدين عبد الرحمن. وحدث عن ابن علان وابن البخاري ورثاه الشعراء.
ومات بدمشق القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر. وولي القاضي محيي الدين بن فضل الله. توفي في شوال، عن ثمان وخمسين سنة.


سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
قدم صاحب الروم تمرتاش بن جوبان بعسكره، وذهب إلى السلطان في خواصه فاحترموه.
واشترى النائب دار فلوس وما حولها وزخرفها، وسميت دار الذهب. وأوصل الماء إلى القدس بعد أن عمل الصناع ستة أشهر. ونقض رخام الحائط القبلي من ناحية الجامع الغربية، فوجد الحائط منحدبا، فنقض كأنه تغير من زلزلة، فأخرب إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا، فبني وأحدث فيه محراب للحنفية، وجدد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة وأركان القبة. وكان بالفرايين حريق عظيم. ثم جدد بعده قيساريتان.
وفيها في المحرم درس العلائي بحلقة ابن صاحب حمص بحضرة القضاة، فأورد درسا باهرا نحو ستمائة سطر.
ومات بالثغر المعمر الإمام القدوة عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي الشافعي، في المحرم، من ولد موسى الكاظم. سمع من والده وحليمة بنت ولد جمال الإسلام والبادرائي وجماعة. وأجاز له ابن يعيش وابن رواج. ونسخ بالأجرة. وتفرد مع التقوى، والعلم، والورع. وعاش تسعين سنة.
ومات ببغداد الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي، عن تسعين سنة. مات في جمادى الأولى. وكان مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين، ومرة كتبه في سنة تسع. سمع من عجيبة كثيرا وابن الخير وابن قميرة وأخيه والأعز بن العليق وعبد الملك بن قيبا وطائفة وتفرد.
ومات بمصر في جمادى الآخرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان ابن أبي الحسن الدمشقي الحنفي ابن الحريري. ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين. وحدث عن ابن الصيرفي والقطب ابن عصرون وابن أبي اليسر، وكان عادلا، مهيبا، صارما، دينا، رأسا في المذهب.
ومات ببغداد مفتيها وشيخها جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي بن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية في شوال وله تسعون سنة وثلاثة أشهر. وكان يذكر أنه سمع من محيي الدين بن الجوزي.
ومات بقلعة دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني معتقلا. ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق. ومولده في عاشر ربيع الأول يوم الاثنين سنة إحدى وستين وستمائة بحران. سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وعدة. وبرع في التفسير والحديث والاختلاف والأصلين. وكان يتوقد ذكاء. ومصنفاته أكثر من مائتي مجلد. وله مسائل غريبة نيل من عرضه لأجلها. وكان رأسا في الكرم والشجاعة قانعا باليسير. شيعه نحو من خمسين ألفا، وحمل على الرؤوس. رحمه الله.
ومات بالصالحية في ذي القعدة الفقيه المعمر جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي. ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين. سمع من النور البلخي، والمرسي، ومحمد بن عبد الهادي وطائفة.
وقتل نائب الشرق جوبان بهراة، ونقل تابوته فدفن بالبقيع ولم يدفن بمدرسته.


سنة تسع وعشرين وسبعمائة
في المحرم نقل كاتب السر محيي الدين إلى عند السلطان. وولي بدمشق شرف الدين حفيد الشهاب محمود. وأصاب كاتب السلطان فالج، وهو علاء الدين بن الأثير.
ووسعت أسواق دمشق، وجددت القنا التي من القنوات بإلزام النائب، واسترحنا من ترسل المياه بعد غرامات كثيرة. وألقيت كلاب دمشق في خندق باب كيسان وفصل بحائط بين ذكورهم وإناثهم، ورجمهم الناس. قيل: بلغوا خمسة آلاف.
ومات بمصر شارح التنبيه نجم الدين محمد بن عقيل البالسي عن تسع وستين سنة. ناب في القضاء لابن دقيق العيد، ودرس بعده بالمعزية القاضي الزرعي. وكان إماما زاهدا، شيعه الخلق.
ومات بدمشق في ربيع الآخر الصدر نجم الدين علي بن محمد بن هلال الأزدي عن ثمانين سنة. حدث عن ابن البرهان والقاضي صدر الدين بن سني الدولة والزين خالد والكرماني، وطلب، وحصل الأصول، وولي نظر الأيتام. وكان تام الشكل، حسن البزة، ذا كرم وتجمل.
ومات في جمادى الأولى مدرس البادرائية شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن بن إمام الرواحية أبي إسحاق إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل. وشيعه الخلق يوم الجمعة إلى عند قبر أبيه بباب الصغير. وله سبعون سنة سوى أشهر. حضر علي الزين خالد، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وعدة. وله مشيخة. وحدث بالصحيحين، وأعاد لوالده، وخلفه في تدريس البادرائية، وفي حلقته بالجامع. وتخرج به أئمة. علق على التنبيه شرحا كبيرا. وكان رأسا في المذهب، عارفا بالأصول، وبنحو ومنطق، مع الورع، والتقوى، والتعفف، والكرم. امتنع عن القضاء. وباشر خطابة البلد أياما ثم ترك. وكان له وقع في القلوب وود.
ومات بعده بيومين شيخ الحنابلة بدمشق العلامة مجد الدين إسماعيل ابن محمد الفراء الحراني عن أربع وثمانين سنة. حدث عن الصيرفي، وابن أبي عمر. وكان قيما بمذهبه، عالما بعلمه، لا يغتاب بشرا ولا يؤذي آدميا. تفقه به أئمة، ومحاسنه جمة. لم يصنف شيئا.
ومات بمصر مسندها المعمر فتح الدين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي، في جمادى الأولى، وقد جاوز التسعين بيسير، وهو آخر من روى عن ابن المقير بالسماع، وبالإجازة عنه، وعن المخيلي، وحمزة بن أوس، وظافر بن شحم، وعدة. وتفرد، وروى الكثير. وكان عاقلا صبورا.
ومات بمصر الأديب العلامة ناظر الجيش معين الدين هبة الله بن مسعود بن حشيش عن ثلاث وستين سنة. روى عن ابن البخاري وغيره. وله النظم والنثر، وقوة الأدوات.
ومات بدمشق في ذي القعدة قاضي القضاة علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي الشافعي الأصولي، شيخ الشيوخ، وصاحب التصانيف والتلامذة، وله إحدى وستون سنة وأشهر. كان قد قدم من الروم في سنة ثلاث وتسعين، فدرس وناظر. وسمع من ابن القواس، والشرف ابن عساكر، والأبرقوهي. وسكن القاهرة مدة. وتخرج به الأصحاب، مع دين، ونزاهة، وصيانة، وحياء، وغزارة علم. رحمه الله.
ومات الصاحب الأمجد رئيس الشام عز الدين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي، في ذي الحجة، عن ثمانين سنة وأشهر. وكان محتشما معظما متنعما. عمل الوزارة وغيرها. وروى عن البرهان، وابن عبد الدايم.


سنة ثلاثين وسبعمائة
قدم على قضاء الشام علم الدين الإخنائي، فاستناب مدرس الشامية زين الدين ابن المرحل.
ونقل من طرابلس إلى قضاء حلب الشيخ شمس الدين ابن النقيب. وولي شمس الدين محمد بن المجد قضاء طرابلس. وولي قضاء الإسكندرية علم الدين صالح الإسنائي، ثم عزل بعد شهرين.
وأنشأ الأمير قوصون جامعا كبيرا بالقرب من جامع طولون، وجعل لخطيبه في الشهر ثلاثمائة درهم.
ومات بمصر كاتب السر علاء الدين علي بن تاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير الحلبي ثم المصري. وكان ذا جاه وأموال وتمكن. مات في آخر الكهولة.
ومات بدمشق سيف الدين بهادر آص المنصوري عن نيف وسبعين سنة. وكان من أمراء الألوف بدمشق. وقبته خارج باب الجابية.
ومات يوم الخامس والعشرين من صفر مسند الدنيا شهاب الدين أحمد ابن أبي طالب بن نعمة بن حسن الديرمقرني ثم الصالحي الحجار ابن شحنة جبل الصالحية. وحدث يوم موته. وله مائة وبضع سنين. سمع من ابن الزبيدي وابن اللتي. وأجاز له ابن روزبة والقطيعي، وعدة. ونزل الناس بموته درجة.
ومات بحلب قاضيها فخر الدين عثمان بن محمد بن البارزي، عن اثنتين وستين سنة. حدث بمسند الشافعي عن ابن النصيبي، وحفظ كتبا، وأفتى، وأفاد.
ومات بمكة مفتيها وقاضيها نجم الدين محمد بن محمد بن الشيخ محب الدين الطبري الشافعي عن اثنتين وسبعين سنة. حدث عن عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري. وله إجازة من ابن سدى.
ومات بمصر المحدث الزاهد فخر الدين عثمان ابن شيخنا الحافظ أحمد ابن الظاهري، في رجب عن ستين سنة، سوى أشهر. حضر ابن علاق، والنجيب. وكان مكثرا. ارتحل به أبوه. ونسخ هو بخطه وحدث.
ومات المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثن الدمشقي الكحال، في ذي الحجة، حدث عن المرسي والرشيد العراقي وعبد الله بن الخشوعي وجماعة. وتفرد. حدث بمصر ودمشق وعاش أزيد من تسعين سنة.


سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
وصل إلى بلد حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة، وحفر زمن طويل، وفرحوا به.
وعزل ابن مراجل من الجامع بابن الشيرازي. وولي نظر الأسرى ابن الفويرة.
ومات في صفر قاضي الحنابلة عز الدين محمد ابن قاضي القضاة سليمان ابن حمزة المقدسي، وله ست وستون سنة. روى عن الشيخ وعن أبي بكر الهروي وبالإجازة عن ابن عبد الدايم. وكان متوسطا في العلم والحكم، متواضعا.
ومات بمصر العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني في صفر، وله أربع وثمانون سنة. سمع من ابن رواج حضورا، وصالح المدلجي والبكري والرشيد والمرسي وابن اللمط الذي سمع من أبي جعفر الصيدلاني، وتفرد بأشياء.
ومات بحلب نائب السلطنة أرغون الدويدار الذي عمل مدة نيابة مصر ثم أخر. وكان مليح الخط، نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصل كتبا نفيسة. مات في ربيع الأول كهلا.
ومات مسند حلب خاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح ابن العجمي من أبناء التسعين. وقد سمع بدمشق من خطيب مردا.
ومات بحلب بعد أيام في رجب أبو القاسم بن علي بن نصر الحراني بن الحبشي، وله ست وثمانون سنة. سمع من عيسى الخياط مشيخته.
وماتت بالثغر كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي، في شعبان، وتسمى ست الناس. روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي ومحمد بن الجراح والشرف المرسي.
ومات بالغرب السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني، في ذي القعدة، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. قارب السبعين، وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن.
ومات بدمشق الإمام أقضى القضاة جمال الدين أحمد بن محمد بن القلانسي التميمي الشافعي، قاضي العسكر، ووكيل بيت المال، ومدرس الأمينية، والظاهرية، عن اثنتين وستين سنة. وكان عالما، محتشما، مليح الشكل، لين الكلمة، حدث عن ابن البخاري، توفي في ذي القعدة.


سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة
جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النائب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد.
وفي ربيع الآخر تسلطن الملك الأفضل علي بن المؤيد إسماعيل الحموي، وركب بالقاهرة بالغاشية والعصائب.
ثم كان عرس محمد بن السلطان، على بنت بكتمر الكبير، قيل: جهزت بألف ألف دينار، واحتفلوا للعرس بما لا يوصف. وأقيمت بالشامية جمعة، وخطب قطب الدين عبد النور، ثم تقرر كمال الدين بن الزكي.
ونقل إلى كتابة السر من دمشق القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشهاب محمود وعظم شأنه. وحج مع السلطان. وبعث ابن فضل الله إلى مكانه بدمشق. ونكب الصاحب شمس الدين غبريال بدمشق وصودر وزالت سعادته.
ومات في المحرم الشيخ الكبير المتزهد عبد الرحمن بن أبي محمد القرامزي الدمشقي المقرئ الحنبلي، بجوبر، عن ثمان وثمانين سنة. روى عن ابن أبي اليسر والمجد بن عساكر، وتلا بالسبع، وتعبد واشتهر، وتردد إليه الكبار.
ومات صاحب حماه الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود الأيوبي الحموي، صاحب التاريخ وناظم الحاوي، في المحرم، كهلا. ناب بحماه، ثم تملك اثنتي عشرة سنة. وله كتاب تقويم البلدان، وفضائل وفلسفة، والله يعفو عنه.
ومات المقرئ الصالح أبو العباس أحمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة. روى عن خطيب مردا وابن عبد الدايم، وروى كثيرا. وكان تقيا.
ومات بمصر المحدث الإمام تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد ابن عبد الكافي السعدي الشافعي، في ربيع الأول، عن اثنتين وثمانين سنة. سمع ابن عزون، والنجيب، وعدة. وخرج التساعيات وأربعين مسلسلات. وطلب، وكتب الكثير وتميز وأتقن. ولي مشيخة الصاحبية. وأفتى ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد. وخرج لشيوخ.
ومات بدمشق المفتي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي مدرس القيمازية وحج سبع مرات، وبلغ ستا وثمانين سنة. وله تلامذة.
ومات صاحبنا الفقيه المحدث محيي الدين عبد القادر بن محمد المقريزي الحنبلي كهلا. حدث عن ابن القواس وبنت كندي، وكتب ورحل.
ومات في ربيع الآخر المحدث العالم عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن الكيال الدمشقي الحنفي، عن سبع وثمانين سنة. قرأ على ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وأيوب الحمامي، وعدة. وكان فصيحا يعرب، ثم خدم في المواريث وحصل، ثم تاب وحج وأم بالربوة وغيرها.
ومات بجمادى الأولى بالصالحية فجأة قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن الحافظ، بعد أن حكم يومئذ بالجوزية، وكان دينا، حييا، خيرا، عالما. عاش ثمانيا وثمانين سنة. وله فضائل. روى عن ابن علاق ومحمد بن سعد والجمال الصوري وابن عبد الهادي، وعدة، وتفرد.
ومات زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي، صاحب أبي العباس المرسي، من أبناء الثمانين.
ومات صدر الأكابر فخر الدين محمد بن فضل الله كاتب المماليك، ناظر الجيش المصري. وله جلالة، وشهرة، وأوقاف. بلغ ثلاثا وسبعين سنة. واحتيط على حواصله.
ومات بمصر العدل نور الدين علي ابن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي عن ثمانين سنة. توفي في رجب. سمع الزكي المنذري، والرشيد، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد السلام. وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة، وكان صالحا مكثرا.
ومات دويدار السلطان سيف الدين ألجيه الناصري الفقيه الحنفي كهلا. وولي مكانه صلاح الدين يوسف بن الأسعد.
وماتت وجيهية، بنت علي بن يحيى بن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية، - وتدعى زين الدار - في رجب بالإسكندرية. روت عن أحمد بن النحاس. وبالإجازة عن يوسف الشاوي، والأمير يعقوب الهدباني.
ومات بدمشق كبير الطب أمين الدين سليمان ابن داوود، في عشر التسعين، درس بالدخوارية.
ومات شيخ بلد الخليل العلامة شيخ القراء برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي صاحب التصانيف، في رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. أجاز له ابن خليل، وعرض التعجيز على مؤلفه. وتلا على الوجوهي، وغيره، ورحل القراء إليه.
ومات مدرس المستنصرية العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي، وله ثمان وثمانون سنة.
ومات في ذي القعدة قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى الإخنائي الشافعي، عن ثمان وستين سنة وأشهر. وكان دينا، عادلا. روى عن أبي بكر بن الأنماطي وجماعة. وحدث بالكثير. وكان من شهود الخزانة. ثم ولي قضاء الإسكندرية ثم دمشق.
ومات الفقيه المحدث المفيد فخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الفخر البعلبكي ثم الدمشقي الحنبلي في ذي القعدة وله سبع وأربعون سنة. روى عن الفخر حضورا، وابن الواسطي، وابن القواس، وارتحل، وكتب، وخرج، وتميز، وأفتى.
ومات بدمشق ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية، في ذي الحجة عن اثنتين وسبعين سنة. ودفن بتربة مليحة أنشأها. وكان من رجال الدهر. وله فضل وخبرة.
ومات بمصر شيخ الحنابلة شمس الدين عبد الرحمن ابن قاضي القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي، في ذي الحجة، عن إحدى وستين سنة وأشهر. وكان من العلماء العاملين. حدث عن العز الحراني، والفخر علي، وجماعة. ودرس بأماكن وأفتى.
ومات فجأة في الحج مع السلطان كبير أمرائه وعينهم سيف الدين بكتمر الساقي وابنه، وخلف ما لا يعبر عنه من صنوف المال. وقيل بل ماتا في أول الآتية، ومما وجد له من الخدام مائة خصي.


سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
قدم أمين الملك على نظر الشام، وعلى نظر الجيش فخر الدين بن الحلي.
وفي ربيع الأول ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة. وجددت بالربوة خطبه. وأمسك حاجب السلطان الأمير سيف الدين ألماس، وكان ظلوما.
ومات شيخ المستنصرية المحدث الإمام تقي الدين محمود بن علي الدقوقي. وحمل على الرؤوس. توفي في المحرم عن نحو من سبعين سنة. روى عن عبد الصمد وابن أبي الدينة وابن الساعي. وله جلالة عجيبة، وإفادة للعامة.
وفي ربيع الآخر حول كاتب السر شرف الدين إلى دمشق، وابن فضل الله إلى مصر.
ومات قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الحموي، صاحب التصانيف في ليلة العشرين من جمادى الأولى، وله أربع وتسعون سنة وشهر. حدث عن شيخ الشيوخ وابن عزون والنجيب والرضي بن البرهان والرشيد العطار وابن أبي اليسر، وعدة. وعني بالرواية، ومهر في التفسير والفقه، وشارك في فنون. وكان ذا دين، وتعبد، ونزاهة، وحمد في القضاء. أضر بآخره وانقطع للطاعة.
ومات في جمادى الآخرة بدمشق مفتي المسلمين شهاب الدين أحمد بن يحيى بن جهبل الشافعي، مدرس البادرائية، عن ثلاث وستين سنة. حدث عن الفخر علي وابن الزين والفاروثي، ودرس مدة بالقدس.
ومات بحماة في رمضان الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن محمد بن مزيز الحموي، وله تسعون سنة وشهران. ذكر لوزارة بلده، وسمع من صفية حضورا، وبدمشق من ابن علان واليلداني ومحمد بن عبد الهادي، وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير وابن العليق.
ومات الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس الصالحي الحنفي، في شوال، عن ثمان وستين سنة. سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان فمن بعدهما. وكتب الكثير، ورحل، وخرج، وتعب، ونسخ تهذيب الكمال للمزي مرتين، مع الدين، والتواضع ومعرفة الشروط.
ومات ببدر محرما الإمام القدوة الولي الشيخ علي بن الحسن الواسطي الشافعي عن ثمانين سنة. وكان من أعبد البشر. واعتمر أزيد من ألف مرة، وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة. وطاف مرات في الليل سبعين أسبوعا. رحمه الله تعالى.
وماتت بدمشق المعمرة المسندة أم محمد أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى، أخت القاضي نجم الدين، في ذي الحجة، عن خمس وتسعين سنة. سمعت من مكي بن علان خمسة أجزاء. وتفردت، وحجت مرات وتصدقت.


سنة أربع وثلاثين وسبعمائة
جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال، وعشرين فرسا، وخرب أماكن. وقدم إلى باب السلطان أمير العرب مهنا فأكرم وأعطي ذهبا كثيرا، وعقارا. وولي الوكالة نجم الدين بن أبي الطيب. ونظر الجامع عز الدين بن منجا. ونقل إلى الحسبة عماد الدين بن الشيرازي، وخلع عليهم يوم عرفة بالطرحات.
وألزم النصارى واليهود بالعمائم الزرق والصفر ببغداد، وهدمت بها كنائسهم، فأسلم رأس اليهود سديد الدولة. وأسقط ببغداد مكوس ومغارم. ودعا المسلمون للوزير محمد بن الرشيد.
ومات بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي المشهور بالزرعي الشافعي الذي ولي قضاء مصر سنة. ثم قضاء دمشق بعد ابن صصرى. وكان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم. لكنه حكام. درس بأماكن. توفي في صفر عن تسع وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم وجماعة.
ومات الأمير شهاب الدين قرطاي المنصوري الذي ناب بطرابلس. توفي بدمشق في صفر.
ومات الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعين. هلك به جماعة.
ومات بحماة الفقيه القدوة الولي نجم الدين عبد الرحمن بن الحسن اللخمي القبابي الحنبلي الزاهد، عن ست وستين سنة. وحمل على الرؤوس.
ومات بمصر الحافظ العلامة المتفنن فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد ابن محمد بن سيد الناس اليعمري في شعبان عن ثلاث وستين سنة. روى عن العز، وغازي، وابن الأنماطي، وخلق. وخرج، ورحل، وجمع، وصنف. وله النظم والنثر، ومعرفة السير والرجال، واللغة، وبراعة الخط. توفي فجأة. وله إجازة النجيب وجماعة.
ومات الصاحب شمس الدين غبريال المسلماني بمصر في عشر الثمانين، يقال: أدى ألفي ألف درهم، وأهين وصودر أهله من بعده. وكان صدرا محتشما نبيلا محبا للستر على الناس قليل الشر والأذى، لولا ما وقع في أيامه من زغل الذهب وتأذي الناس بذلك. وامتدت أيامه بدمشق في سعادة وتنعم. وكان يحب أصحاب ابن تيمية كثيرا ويذب عنهم.
ومات بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي بن قاسم الفاقوسي مدرس قبة الشافعي. مات في عشر التسعين.
وفي رمضان أوذي قاضي القضاة ابن جملة. وقاموا عليه وهدد وأهين وعزل وحبس بالقلعة بضعة عشر شهرا. وأخذ المنصب شهاب الدين بن المجد عبد الله.
وعزل من السر شرف الدين أبو بكر، وجاء على السر جمال الدين عبد الله بن كمال الدين محمد بن الأثير الفقيه، شاب عاقل دين.


سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
استعفى علاء الدين علي بن الشهاب بن السلعوس من ضمانة الدواوين، فولي عماد الدين بن الشيرجي. وظلم الأمير حمزة، وعصر الدويدار وابن جملة، وكاتب السر الشرف، وتمرد وتمكن من النائب. وبنى حماما في القنوات في غاية السعة والزخرفة. ثم استأصله الله، وعرفه ملك الأمراء فصودر وضرب بالبندق، وعصر وقطع لسانه من أصله، فهلك وما رق له مسلم، نسأل الله العفو.
ورضي السلطان عن ثلاثة عشر أميرا وأطلقهم، منهم تمر الساقي الذي ناب بطرابلس، وبيبرس الحاجب. وأغار المسلمون على بلاد سيس فوثب الملاعين على التجار والعربان فقتلوا ألفي مسلم. ووقع بحماة حريق كثير ذهبت به الأموال، واحترق مائتان وخمسون دكانا. وسمر بمصر إبراهيم الساحر.
ومات بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدين إبراهيم بن محمد الخلاطي الواني الشافعي عن أكثر من تسعين سنة. توفي في صفر. حدث عن الرضي بن البرهان وابن عبد الدايم، وجماعة.
ومات بعده بشهر ولده المحدث مفيد الجماعة أمين الدين محمد عن إحدى وخمسين سنة. روى عن الشرف بن عساكر وأبي الحسن اللمتوني وابن مؤمن، وعدة. وارتحل مرات، وحج، وجاور، وكتب، وخرج، وأفاد.
ومات في صفر مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد، عن قريب من تسعين سنة. وتفرد بأشياء. حدث عن ابن علان، والعراقي، والبلخي، وعثمان ابن خطيب القرافة، وجماعة. سماعه صحيح. وهو لين.
ومات مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محيي الدين محمد ابن عبد الرحيم السلمي، عن سبع وأربعين سنة. كتب صحيح البخاري. وكان دينا، ورعا، مليح الشكل، متواضعا.
ومات بمصر الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير. سمع الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، والنجيب وكان حسن المذاكرة والعلم. عاش أربعا وثمانين سنة.
ومات الحافظ الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة. تلا بالسبع على إسماعيل المليحي، وسمع من ابن العماد، وإبراهيم المنقذي، والعز، والفخر علي، وبنت مكي، وابن الفرات الإسكندراني، وصنف، وخرج، وأفاد، مع الصيانة، والديانة، والأمانة، والتواضع، والعلم، ولزوم الاشتغال والتأليف. حج مرات، وحدثنا بمنى. وعمل تاريخا كبيرا لمصر بيض بعضه. وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين. وعمل أربعين تساعيات، وأربعين متباينات، وأربعين بلدانيات. وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات.
وماتت في ذي القعدة، المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السليمة عن سبع وثمانين سنة. روت عن اليلداني وإبراهيم بن خليل، وعمر بن عوة، وعثمان ابن خطيب القرافة، ولها إجازة السبط. روت الكثير وتفردت.
ومات ملك العرب حسام الدين مهنا ابن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة. وأقاموا عليه المأتم، ولبسوا السواد، وكان فيه خير وتعبد.


سنة ست وثلاثين وسبعمائة
سار ملك الأمراء في نقاوة الجيش فقدم جعبر وتصيد خمسة وثلاثين يوما. ودرس بالناصرية النور الأردبيلي. وبالظاهرية ابن قاضي الزبداني. وعزل من السر بدمشق ابن الأثير بالعلم ابن القطب. ودرس بالأمينية ابن إمام المشهد. وعزل الشمس الكاشغري من تدريس الشبلية بنجم الدين إبراهيم بن الطرسوسي.
وناب بصفد الحمص الأخضر سيف الدين طشتمر بعد موت نائبها ايتمش المحمدي.
ومات بدمشق المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي بالسميساطية، في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة. سمع صحيح مسلم من الباذبيني، وجامع الترمذي من العفيف بن الهني، وأجاز له النشتبري، ومحمد بن السباك، وإياس الحجبي صاحب خطيب الموصل، وتفرد، وأكثروا عنه. ثم تعاسر إلا بعطاء.
ومات قاضي بغداد قطب الدين الأخوين، واسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي، وله ثمان وستون سنة. سمع شرح السنة من قاضي تبريز محيي الدين. وكان ذا فنون، ومروءة، وذكاء. وكان يرتشي.
ومات مدرس الناصرية القاضي كمال الدين أبو القاسم بن الصدر عماد الدين بن الشيرازي في صفر عن ست وستين سنة ببستانه بأرض الحميريين. تفقه بالشيخ تاج الدين وغيره. وروى عن أبيه، وابن البخاري. وذكر للقضاء، وكان فيه معرفة، وتواضع، وصيانة. حفظ مختصر المزني.
ومات في صفر فجأة القاضي علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن القلانسي مدرس الأمينية والظاهرية. وكان ولي أيضا الوكالة، وقضاء العسكر والمارستان، مع نظر ديوان ملك الأمراء. وذكر للقضاء ثم تنمر له النائب وصودر وعزل. حدث عن الفخر علي، وعاش ثلاثا وستين سنة.
ومات الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي في ربيع الأول، حدث عن خطيب مردا، وابن عبد الدايم. عاش تسعين سنة.
ومات بالثغر الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب وزير متملك تونس، اللحياني في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن التجيبي، ويوسف بن خميس. وطلب الحديث، وبرع في النحو وأقرأه.
ومات بدمشق ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب عن ثلاث وستين سنة. وكان مليح الشكل، متواضعا، نزها، دينا، ورعا، أخذت منه الحسبة عام أول. واعتقل لامتناعه من شهادة.
ومات بالأردوا القان أبو سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاوو المغلي، ونقل إلى السلطانية، وله بضع وثلاثون سنة. فدفن بتربته. وكان يكتب المنسوب، ويجيد ضرب العود، وفيه ديانة، ورأفة، وقلة شر. هادن سلطان الإسلام وهادنه، وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد.
وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية. وكانت دولته عشرين سنة.
ومات والي دمشق شهاب الدين أحمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي عن أربع وستين سنة. وكان جيد السياسة، محببا إلى الناس. ولي ثلاث عشرة سنة. وحدث عن ابن علان، والمجد بن الخليلي.
ومات بعده بيومين والي البر فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لؤلؤ عن أربع وستين سنة أيضا، وكان أجود الرجلين.
وماتت عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن، في شوال عن تسعين سنة. روت عن العراقي، والبلخي حضورا، وعن اليلداني، ومحمد ابن عبد الهادي، وتفردت.
ومات شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن ابن علان، وتفقه للشافعي، وترفض.
ومات الذي تسلطن بعد أبي سعيد القان أرباخان، ضربت عنقه صبرا يوم الفطر. وكانت دولته نصف سنة. خرج عليه علي باش، والقان موسى، فالتقوا فأسروا المذكور ووزيره الذي سلطنه خواجا محمد بن الرشيد الهمذاني وقتلا صبرا. وكان المصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشائر بدمشق، وجاء الرسول بنصرتهم.
ومات بدمشق الصاحب الأمجد عماد الدين إسماعيل بن محمد بن شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني، في ذي القعدة، عن خمس وستين سنة. وكان منشئا بليغا رئيسا دينا صينا نزها. روى عن العز الحراني، وغيره. وهو والد كاتب السر القاضي شهاب الدين.


سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
في أولها بلغنا كسرة علي باش وأنه قتل، ثم قتل موسى بن علي بن بيدوا الذي سلطنه، وكانت دولتهم ثلاثة أشهر. وفي المحرم أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم، فرجع ورسم بنفيه، ثم شد منه كبار، ولله الأمر.
وولي بمصر وكالة بيت المال الإمام عز الدين بن جماعة وكيل السلطان. وسار الجيش لحصار سيس، ثم سلم صاحبها سبع قلاع، وصولح وخفف عنه من الحمل، وقرئ له الأمان، فقبل الأرض وبقي العسكر بأرضه أربعة أيام فسلم آياس وكواره ونجيمة وسوكندار والهارونية وقلعة البحر وميناء آياس، وأخذ منه قبل ذلك قلعة النقير.
وقتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار وأحرق. أضل جماعة. قام عليه قاضي القضاة شرف الدين بحماة.
ومات بتبوك الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد بن غانم المنشئ في المحرم، عن ست وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم، والزين خالد، والنظام بن البانياسي، وعدة. وحفظ التنبيه، وله النظم والترسل الفائق، والمروءة التامة، وكثرة التلاوة، ولزوم الجماعات، والشيبة البهية، والنفس الزكية. باشر الإنشاء ستين سنة. وحدث بالصحيحين، وحج مرات.
ومات بعده بأشهر أخوه الأديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد عن سبع وثمانين سنة. وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ. دخل اليمن ومدح الكبار. وخدم في الديوان. وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة. ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وربما ثاب إليه وعيه.
ومات في ربيع الأول الإمام المحدث التقي محب الدين عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي، عن خمس وخمسين سنة. وشيعه الخلق. روى عن الفخر وجماعة. وطلب الحديث سنة سبع وتسعين فقرأ الكثير، وتعب، وخرج، وأفاد العامة. وكان لعبارته وقع عجيب في النفوس، ومحاسنه كثيرة.
ومات في الشهر بحماة المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغريل الصيرفي عن نيف وأربعين سنة. قرأ الكثير، وتعب، ورحل، وخرج، وقرأ للعوام. حدث عن أبي بكر بن عبد الدايم، وعيسى الدلال. مات غريبا. الله يسامحه.
ومات شيخ نابلس ومفتيها القدوة شمس الدين عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف الحنبلي في ربيع الآخر وله ثمان وثمانون سنة. روى عن السبط إجازة، وعن خطيب مردا حضورا، وعن عم أبيه الجمال عبد الرحمن. أم بمسجد الحنابلة نحوا من سبعين سنة وتأسفوا عليه.
ومات بقاسيون شيخ الفقراء أبو عبد الله محمد بن أبي الزهر الغسولي عن ثلاث وثمانين سنة. روى عن إبراهيم بن خليل حضورا، وعن العماد بن عبد الهادي، وابن عبد الدايم، وجماعة. وله زاوية ومريدون.
ومات بمصر مسندها العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي، له إجازة ابن رواج، وابن الجميزي. وروى الكثير وتفرد. توفي في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة.
ومات بدمشق في رجب الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب ابن علي الشافعي ابن الطحان نقيب الشامية، والسبع الكبير، وله خمس وثمانون سنة وأشهر. سمع من عثمان بن خطيب القرافة، ومن الكرماني، والزين خالد.
ومات الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد في رمضان بقريته منية مرشد كهلا. وقد قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع بزاوية له، فكان يقري الضيفان وربما كاشف. وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخدم الواردين، ويقدم لهم ألوان المآكل، ولا خادم عنده، حتى قيل: أطعم الناس في ليلة ما قيمته مائة دينار، وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار. وزاره أمراء وكبراء، وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء يقول: كان مخدوما. وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة له: احضروا فقد عرض أمر مهم، ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا. قيل: قرأ ختمة على الصائغ.
ومات المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم في رمضان عن خمس وتسعين سنة. ودفن بالقدس. روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا، وتفرد. وكان ممتعا بحواسه، مليح الشكل، ما تزوج ولا تسرى.
وقتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك يغمراسن بن عبد الواحد الزناتي البربري. وكان سيء السيرة. قتل أباه وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السريرة وقبح السيرة. ثم تمكن وظلم. وكان بطلا شجاعا، تملك نيفا وعشرين سنة. حاصره سلطان المغرب أبو الحسن المريني مدة. ثم برز عبد الرحمن ليكبس المريني فقتل على جواده في رمضان كهلا.


سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدائد وملال لاختلاف التتار.
ومات الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضي الصالحي القطان في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة. سمع حضورا من خطيب مردا، وعبد الحميد بن عبد الهادي، وسمع من عبد الله بن الخشوعي وابن خليل وابن البرهان، وتفرد، وأكثروا عنه، ونعم الشيخ كان، له إجازة السبط وجماعة.
ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن ثلاث وتسعين سنة. روى الكثير بإجازة السبط.
ومات القاضي الأثير محيي الدين يحيى بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب السر بمصر، في رمضان، عن ثلاث وتسعين سنة. ونقل إلى دمشق. وكان صدرا، معظما، متمولا، رزينا، كامل السؤدد. وروى عن ابن عبد الدايم، وغيره. وبالإجازة عن ابن مسلمة. وولي بعده ابنه الصغير علاء الدين.
ومات قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الإربلي ثم الدمشقي الشافعي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة. نفرت به بغلته فرضت دماغه وهلك إلى عفو الله بعد ست ليال. روى عن ابن أبي اليسر، وابن أبي عمر، وجماعة. وأفتى، وناظر، وحكم نحو ثلاث سنين. وجاء على منصبه قاضي المالكية جلال الدين.
ومات بحماة قاضيها شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن القاضي نجم الدين عبد الرحيم ابن القاضي شمس الدين إبراهيم بن البارزي الجهني الشافعي. في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن جده، وابن هامل وله من الباذرائي، والكمال الضرير، وجماعة، إجازة. وكان إماما، قدوة، مصنفا، صاحب فنون، وإكباب على العلم، وصلاح، وتواضع، وخشية، وصحة ذهن. بلغ رتبة الاجتهاد وتخرج به الأصحاب، رحمه الله.
ومات بدمشق مدرس الشامية الذي كان قاضي القضاة، جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي ثم الصالحي الشافعي، في ذي القعدة، عن سبع وخمسين سنة. حدث عن الفخر وغيره. وتفقه بابن الوكيل، وبابن النقيب، وتميز، ودرس. سعى له ناصر الدين الدويدار فولي القضاء نحو سنتين وعزل وسجن مدة، ثم أعطي الشامية. وكان قوي النفس، ماضي الحكم على حدة فيه. وكان كثير الفضائل.
ومات بمصر شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم الدمشقي بن الكتاني، عن خمس وثمانين سنة. وكان تام الشكل، عالما، ذكيا، مهيبا، مائلا إلى الحجة، فيه قوة وزعارة. سمع جزء الأنصاري وأبي أن يحدث. ولي مشيخة المنصورية وغير ذلك، وكان يذكر دروسا مفيدة.
ومات بدمشق بالشامية الكبرى مدرسها العلامة زين الدين محمد بن عبد الله بن المرحل، في رجب، عن بضع وأربعين سنة. فقيه، مناظر، أصولي. تفقه بعمه. وناب في الحكم عن ابن الإخنائي، وكان يذكر للقضاء.
ومات بقوص ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي. وكان سريا، فقيها، شجاعا، مهيبا، وسيما. قيل: هو السبب في تسييرهم إلى قوص. مات في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة.


سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
عساكر التتار في اختلاف وافتراق، والرعية في مشاق لذلك وخوف ومغارم.
وفي رجب هلك تحت الزلزلة بطرابلس الشام ستون نفسا.
وفيه قدم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام، وفرح المسلمون به.
ومات ببغداد عالمها الإمام ذو الفنون صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن شمايل البغدادي الحنبلي مدرس البشيرية في صفر وله إحدى وثمانون سنة. صنف شرحا للمحرر في ستة أسفار، وألف في الفرائض، وطلب الحديث، وعمل معجما. حدث عن عبد الصمد بن أبي الجيش، والكمال ابن الفويرة، وأسمعته من الشرف بن عساكر، وله نظم رائق، وفيه دين، وفتوة، وأخلاق، وتصوف، ولم يتأهل.
ومات بمصر قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن خطيب جبرين علي بن عثمان الحلبي الشافعي في المحرم، عن سبع وسبعين سنة. كان طلب وأخرق به، وعزل، والله يأجره. وكان يدري القراءات، والأصول، والنحو. وله تواليف وتلامذة.
ومات بدمشق قاضي قضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي في نصف جمادى الأولى وله ثلاث وسبعون سنة. ودفن بمقابر الصوفية. وكان مولده بالموصل، وتفقه بأبيه، وأخذ الأصول عن الأيكي، وأفتى، ودرس، وناظر، وتخرج به الأصحاب. وكان مليح الشكل، فصيحا، حسن الأخلاق، غزير العلم، ناب في القضاء لأخيه إمام الدين، ولابن صصرى. ثم ولي خطابة دمشق مدة، ثم قضاءها، ثم قضاء الديار المصرية إحدي عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق وأصابه طرف فالج مديدة. وتأسفوا عليه لأياديه وحلمه، والله يسمح لنا وله. حدث عن الفاروثي وغيره.
ومات القاضي الإمام القدوة العابد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصائغ الدمشقي الشافعي، مدرس العمادية، والدماغية، في جمادى الأولى، عن ثلاث وستين سنة. حدث عن ابن شيبان، والفخر وطائفة. وحفظ التنبيه، ولازم الشيخ برهان الدين زمانا، وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفي. ثم ولي خطابة القدس وتركها. وكان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حج غير مرة.
ومات شيخ الأمراء الكبير سيف الدين كجكن المنصوري عن نحو التسعين.
ومات بمصر المعمر الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد ابن عثمان بن مكي الشارعي. وكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه، وكان من أبناء التسعين. لحقه أبو الخير الدهلي. مات في جمادى الأولى.
ومات المفتي زين الدين عبادة بن عبد الغني السعدي الحراني الحنبلي، في شوال، عن ثمان وستين سنة. حدث بالصحيح عن القاسم الإربلي وغيره. وكان دينا، متهجدا، متواضعا، جوادا، مناظرا، صحبته بضعا وأربعين سنة. وكان يلي العقود والفسوخ.
ومات شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة شمس الدين محمد بن شرشق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي في أول ذي الحجة بقرية الجبال من عمل سنجار عن تسع وثمانين سنة. وكان عالما، صالحا، وقورا، وافر الجلالة، حج مرتين. وروى عن الفخر علي بدمشق، وببغداد، وخلف أولادا كبارا، لهم كفاية وحرمة.
ومات العدل الأمير شمس الدين محمد بن إبراهيم بن الجزري الدمشقي صاحب التاريخ الكبير، في وسط السنة، وله إحدى وثمانون سنة. وكان دينا ساكنا، وقورا، به صمم. روى عن إبراهيم بن أحمد، والفخر ابن البخاري، وسمع ولديه مجد الدين، ونصير الدين كثيرا.
ومات بخليص محرما في ذي الحجة الإمام الحافظ محدث الشام علم الدين القاسم بن محمد بن البرزالي الشافعي، صاحب التاريخ، والمعجم الكبير، وله أربع وسبعون سنة وأشهر. وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين. روى عن ابن أبي الخير، وابن أبي عمر، والعز الحراني، وغازي، وخلق كثير. وقرأ، وكتب، وتعب وأفاد، وخرج مع الصدق والتواضع، والإتقان، وكثرة المحاسن. ووقف جميع كتبه. وأوصى بثلثه. وحج خمس مرات، رحمه الله.
وفي المحرم منها مات الشيخ شرف الدين أبو الحسين بن عمر البعلي شيخ الربوة والشبلية. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وطائفة. وله بضع وثمانون سنة.
ومات بأطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن العلم المنذري. سمع المسند من ابن شيبان.
ومات بالقدس خطيبه زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي.
ومات بدمشق معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان ابن الخراط. حدث عن ابن البخاري وغيره. وعمل خطبا ومقامات.
ومات شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد بن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر. درس بالعمادية. وحدث عن ابن أبي اليسر وابن الأوحدي، وجماعة.
ومات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني. وكان سيدا نبيلا. وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في الأشهر الحرم.
ومات بالقاهرة قاضي العساكر، وناظر الخزانة، القاضي كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين الإخنائي. حدث عن الدمياطي وغيره.
ومات بالإسكندرية قاضيها العلامة وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي. ولحقه الدهلي.
ومات بالصالحية المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود السبعي. حدث عن ابن عبد الدايم وغيره، وله إحدى وتسعون سنة.


سنة أربعين وسبعمائة
في صفر هبت ريح بجبل طرابلس وسموم وعواصف على جبال عكا، وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم، وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا، ويبست ثمارا، وأحرقت منازل، وكان ذلك آية. ونزلت من السماء نار بقرية الفيجة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت. وصح هذا واشتهر. وأمر التتار في اختلاف، وهرج، وفرقة.
ومات بدمشق الشيخ المعمر نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي الصوفي. أحد أعيان الصوفية، وأكابر الفقراء القادرية، عن تسعين سنة. أو أكثر. حدث عن الشيخ الفقيه. وكان خاتمة أصحابه، وعن ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وجماعة. وولي مشيخة الشبلية والأسدية، توفي في رجب.
ومات بمصر العلامة مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني الشافعي، في ربيع الأول، عن بضع وستين سنة. إمام، مفت، ورع، صالح، مصنف. ألف للتنبيه شرحا، وللتعجيز. وتفقه به جماعة. روى عن الأبرقوهي وغيره، ودرس.
وماتت مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، المرأة الصالحة العذراء، في تاسع عشر جمادى الأولى، عن أربع وتسعين سنة. روت عن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا واليلداني وسبط ابن الجوزي وجماعة. وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير وابن العليق والنشري، وعدد كثير. وتكاثروا عليها. وتفردت. وروت كتبا كبارا. رحمها الله.
وفي ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين القبلية، وما تحتها وما فوقها، إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين، وسوق الدهشة وحاصل الجامع وما حوله والمئذنة الشرقية، وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر. ونسب فعل ذلك إلى النصارى فأمسك كبارهم وسمروا حتى ماتوا.
وفي هذا العام مات الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم العباسي بقوص. وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة. وبويع لأخيه إبراهيم بغير عهد.
ومات القاضي الإمام محيي الدين إسماعيل بن يحيى بن جهبل الشافعي عن سن عالية. حكم بدمشق نيابة، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم عزل. وحدث عن ابن عطاء وابن البخاري وجماعة.
وفيه قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب النشو القبطي في صفر وصودر، واستصفيت حواصله بمباشرة الأمير سيف الدين شنكر الناصري. ومن جملة ما وجد له صندوق ضمنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار وصليب مجوهر. ووجد بداره كنيسة مرخمة مصورة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها. واستمر الملعون في العقوبة حتى هلك في ربيع الآخر.
وقد زاد النيل في اليوم الذي قبض فيه على النشو ثمانية عشر إصبعا وثاني يوم إلى اثنين وعشرين إصبعا ولله الحمد.
==========


ذيول العبر/الذيل الثاني


ذيل
العبر في خبر من غبر
لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي


الذيل الأول الذيل الثاني: من سنة 741 - 764













سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
في المحرم منها أو في أواخر العام الماضي قبض على الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام، وأخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية أياما ثم قتل ودفن هناك. ولي نيابة دمشق في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسار في سنة خمس عشرة فافتتح ملطية وسبى وقتل، وكان رجلا عبوسا، شديد الهيبة، وافر الحرمة، لا يجترئ أحد من الأمراء أن يكلم أحدا بحضرته، وكان مع جبروته له من يضاحكه ومن يغنيه، وقد زار مرة شيخنا ابن تمام. وسمع من أبي بكر، ابن عبد الدايم، وعيسى، وابن الشحنة، وما علمته حدث. وله آثار حسنة في أماكن من البلاد الإسلامية رحمه الله تعالى. وولي بعده نيابة دمشق الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب. وفي هذا العام جددت خطبة بالمدرسة البدرية جوار الشبلية باعتناء القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب السر.
ومات الزاهد العابد القدوة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام التلي ثم الصالحي الخياط، في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة. حدثنا عن ابن عوة، وابن السروري، وابن عبد الدايم وطائفة. استوعب الذهبي شيوخه في جزء، وزاره تنكز نائب الشام، وحدث عنه البرزالي والذهبي والعلائي، وخلق. وكان أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر رحمه الله. حدث بصحيح مسلم عن الرضي بن البرهان.
ومات بمصر العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة القرشي الشافعي المعروف بابن القماح في ربيع الآخر عن بضع وثمانين سنة.
ومات بدمشق المحدث الإمام بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن غانم الشافعي. سمع التقي بن الواسطي وطائفة. وعني بالحديث، وحدث، وأفتى، ودرس، وأفاد.
ومات الشيخ الزاهد خالد المجاور لدار الطعم، ودفن بداريا. صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية. وله حال، وكشف، وكلمة نافذة. رحمه الله.
ومات بدمشق أيضا الإمام العلامة ذو الفنون برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي، عن بضع وخمسين سنة. أفتى قديما، ودرس، وناظر، وناب في الحكم عن القاضي عز الدين بن التقي سليمان، ثم عن القاضي علاء الدين بن المنجا. وكان إليه المنتهى في التحري، والتفنيد، وجودة الخط، وحسن الخلق. حدث عن عمر ابن القواس، والشرف بن عساكر، وغيرهما، وكان يصبغ بالوسمة.
وفي ذي القعدة مات شيخنا المعمر بهاء الدين علي بن عيسى بن المظفر بن الياس بن الشيرجي الدمشقي، عن ثمان وثمانين سنة. حدث عن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وطائفة. توفي في ذي القعدة.
ومات ببغداد المعمر أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود بن الدقوقي عن خمس وسبعين سنة. سمع من ابن أبي الدينة مسند الإمام أحمد، وحدث عن أبي محمد بن ورخز. وكانت سيرته غير مرضية.
ومات بها أيضا الشيخ وجيه الدين محمد الباذبيني، حدث عن ابن الطبال وغيره.
ومات بدمشق المعمر بهاء الدين عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن مكتوم القيسي الدمشقي الشاهد عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن الأوحد وابن أبي اليسر وطائفة. وكان يرتزق من الشهادة، ثم انقطع بآخره. وضعفت حركته وأضر. ولد في شعبان سنة ثمان وخمسين، وتوفي في ذي القعدة.
وماتت المعمرة الصالحة، الخيرة، أم محمد صفية بنت أحمد بن أحمد المقدسية، زوجة شيخنا بهاء الدين ابن العز عمر، عن سن عالية. حدثت بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفيت في ذي الحجة.
وفي يوم الأربعاء عشرينه، مات بالقاهرة السلطان الملك الناصر، أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي عن بضع وخمسين سنة. ودفن على والده بالمنصورية. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة. وسمع من قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وابن الشحنة، وست الوزراء. وأجاز له من دمشق عام ثلاث وسبعمائة أبو جعفر بن الموازيني وإسحاق النحاس والقاضي تقي الدين سليمان وطائفة. وكان ابتداء ملكه في المحرم سنة ثلاث وتسعين بعد قتل أخيه الملك الأشرف، فأقام سنة، ثم خلع بالملك العادل زين الدين كتبغا فأقام سنتين، ثم خلع بالملك المنصور، حسام الدين لاجين أستاذ تنكز المذكور، فأقام المنصور حتى قتل في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، فأحضر الملك الناصر من الكرك وسلطنوه، وهي المرة الثانية، فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة، ثم أظهر أنه يريد الحج، فخرج وعرج إلى الكرك، فأقام به ولوح بعزل نفسه. فتولى الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير. فأقام بقية سنة ثمان وسبعمائة إلى رمضان من العام القابل، فخرج طائفة من كبار الأمراء وكرهوا ولاية المظفر، وساقوا على حمية إلى الكرك، فاستنهضوا الملك الناصر فخرج معهم وسار إلى دمشق، فبايعه أمراء الشام، وتوجه إلى القاهرة، فلما تحقق بيبرس قدوم السلطان خرج هاربا نحو الصعيد، فدخل السلطان إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة واتفقت عليه كلمة المسلمين، فأقام ملكا مطاعا وأذعنت له الملوك ودانت له الأمم وخافته الأكاسرة، حتى مات في هذا العام، وعهد إلى ابنه الملك المنصور أبي بكر، فولي بعد أبيه وهو ابن عشرين سنة.
وفي أيام الملك الناصر كانت وقعة غازان بوادي الخزندار ووقعة شقحب وفتح ملطية وآياس ووقعة عرض. وفي أيامه أسقط مكس الأقوات والله يرحمه.


سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة
في المحرم منها بويع الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله سليمان ابن الحاكم العباسي وكان ولي عهد أبيه.
وقبض السلطان الملك المنصور على الأمير سيف الدين بشتك الناصري وأخذ من حواصله ما يزيد على ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وقبض على غيره من الأمراء، فاتفق الأمراء على خلعه، فخلعوه في سابع عشر صفر، وحبس بقوص ثم قتل في جمادى الآخرة، وكانت دولته نحوا من سبعين يوما. وأقاموا أخاه الملك الأشرف كجك وهو متميز، فسلطنوه، وخطب له بدمشق وغيرها، في ربيع الأول، وكان أخوه الملك الناصر أحمد بالكرك، فلما بلغه ولاية أخيه الأشرف الذي هو أصغر إخوته، تحركت همته، فسار في شهر رمضان من الكرك إلى القاهرة، وقد كان الأمير قطلوبغا الفخري اتفق مع الأمراء على الشخوص إلى القاهرة، وولاية أحمد صاحب الكرك، وتنازل الفخري وألطنبغا نائب دمشق وتراسلوا، فذهب ألطنبغا على حمية إلى مصر منهزما، واستقر الفخري بدمشق إلى رمضان، فتوجه هو ونائب حلب طشتمر المعروف بحمص أخضر فدخلا القاهرة، وتوجه قضاة الشام فاجتمعوا كلهم وخلعوا الملك الأشرف كجك. خلعه الخليفة الحاكم بحضور قضاة مصر والشام، وذلك لصغر سنه وعجزه عن القيام بمصالح الرعية. فكانت دولته نحو سبعة أشهر، وبايعوا السلطان الملك الناصر أحمد بيعة لم يتفق لغيره مثلها، وذلك يوم الاثنين عاشر شوال بحضور أمراء مصر والشام وقضاة القضاء بمصر والشام، فأقام كذلك إلى ثاني الحجة منها، فسار إلى الكرك بأمواله وخيله ورجاله، ومعه كاتب السر، وناظر الجيش، وطشتمر المذكور محتفظا عليه، وقد كان ولى الفخري نيابة دمشق فجهز إليه، فقبض عليه بالطريق فضربت عنقه، وعنق طشتمر خارج الكرك في العشر الأخر من ذي الحجة، ثم قتل ألطنبغا نائب الشام وجماعة من الأمراء المصريين.
ومات بدمشق خطيبها المفتي الإمام بدر الدين محمد بن قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي، وقد ناب في الحكم عن والده في الكرة الأخيرة.
ومات ببلبيس المعمر أبو الفتوح عبد الله النصير بن محمد الأنصاري عن ثمان وتسعين سنة. حدث عن الفضل بن رواحة وغيره.
ومات بدمشق مقرئها العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الرقي ثم الدمشقي الحنفي الأعرج، عن أربع وسبعين سنة. حدث عن الفخر وطائفة. وقرأ على الفاروثي، والفاضلي. وأقرأ بالأشرفية. توفي في سلخ صفر.
ومات الحافظ العلامة إمام المحدثين جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الحلبي، ثم الدمشقي المزي الشافعي، صاحب تهذيب الكمال وكتاب الأطراف. ولد في العاشر من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بحلب. وسمع بدمشق في سنة خمس وسبعين من ابن أبي الخير وابن علان والإربلي والشيخ شمس الدين وابن البخاري وخلق من هذه الطبقة، وغيرهم، وهلم جرا. وحدث بالكثير من مسموعاته، وحمل عنه طوائف من الفقهاء والحفاظ وغيرهم. وبه ختم شيخنا الذهبي طبقات الحفاظ له. توفي في يوم السبت ثاني عشر صفر ودفن بالصوفية رحمه الله. وكان مع تبحره في علم الحديث رأسا في اللغة العربية والتصريف، له مشاركة جيدة في الفقه وغيره، ذا حظ من زهد وتعفف، ويقنع باليسير. وقد شهد له بالإمامة جميع الطوائف، وأثنى عليه الموافق والمخالف.
ومات ببغداد المحدث المسند محب الدين أبو الربيع علي بن عبد الصمد ابن أحمد بن عبد القادر البغدادي عن ست وثمانين سنة. حدث عن ابن أبي الدينة وطائفة.
ومات في جمادى الأولى ملك العرب مظفر الدين موسى بن مهنا ودفن بتدمر.
ومات بعده بثمانية أيام نائب طرابلس أرنبغا الناصري.
وفي آخر هذا العام قتل قوصون الناصري، ونهبت أمواله بالقاهرة.


سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
في المحرم أرسل أمراء الدولة إلى الملك الناصر أحمد بالكرك ليعود إلى القاهرة مستقر ملكه وملك أبيه، فأجابهم: إن كنت أنا السلطان فلا يأتمر علي أحد، الشام لي ومصر لي، أيهما شئت أقمت به، وقد أقمت نائبا لقضاء حوائج الرعية. فلم يعجبهم هذا الجواب واضطربت آراؤهم ثم اتفقوا على خلعه، فخلعوه في ربيع الأول وعقدوا الملك لأخيه الملك المظفر عماد الدين إسماعيل وهو ابن نحو من سبع عشرة سنة. وكانت دولة الناصر أحمد نحو خمسة أشهر وأياما. وتوجه أمراء دمشق بالمجانيق لحصار الكرك.
وولي نيابة دمشق الأمير علاء الدين أيدغمش الناصري فأقام نحو ثلاثة أشهر، ومات فجأة في رابع جمادى الآخرة وولى بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين طقزتمر الناصري فدخلها في نصف رجب.
وفيها ولد لرجل من أهل الجبل ولد برأسين وأربع أيد، فحكى لي شيخنا عماد الدين بن كثير قال: ذهبت إليه ونظرت إليه فإذا هما ولدان قد اشتبكت أفخاذهما بعضها في بعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهما ميتان.
ومات مسند الشام المقرئ الصالح العابد أبو العباس أحمد بن علي بن حسن بن داوود الجزري ثم الصالحي الحنبلي عن ثلاث وتسعين سنة وسبعة أشهر، حضر على ابني عبد الهادي واليلداني والبكري وخطيب مردا وإبراهيم بن خليل وابن عبد الدايم وغيرهم، وأجاز له ابن الزعبي والصرصري، وفضل الله الجيلي وعبد القادر القزويني وخلق. خرجت له من عواليه، وتوفي في خامس شعبان، وسمعت شيخنا الحافظ تقي الدين السبكي يقول: لم أر أجلد منه على التلاوة والصلاة.
ومات ببعلبك مسندها وخطيبها المعمر محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي الشافعي، نزيل بلد بعلبك وشيخ الكتابة، ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدايم والقاسم الإربلي والرشيد العامري وابن هامل وطائفة. استوعبهم شمس الدين بن سعد في جزء خرجه له، وحدث عنه الذهبي في معجمه. وكان مجيدا للخطابة، مليح الشكل، كبير القدر، عاقلا، متصونا. وهو والد شيخنا المجود بهاء الدين محمود، توفي في تاسع رمضان.
ومات بالقاهرة القاضي الإمام الأوحد تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الهادي المعروف بابن الأطرياني، كاتب الإنشاء عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز بن الصيقل وغيره.
ومات بها الأديب الإمام البارع العلامة تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد المخزومي المكي، قدم مصر والشام، وتقدم عند صاحب اليمن، وباشر فنون الإنشاء باليمن، ثم تفرقت الدولة فصرف عن ذلك وأوذي، فعاد إلى الحجاز وأقام بالمدينة وخطب بها نيابة، ثم عاد إلى القاهرة ودرس بها، ثم استوطن القدس. وحضر إلى دمشق وحلب. كتب عنه شيخنا أبو حيان من نظمه، وصنف تصانيف مفيدة، منها كتاب مطرب السمع في شرح حديث أم زرع.
ومات بظاهر دمشق الإمام الزاهد المفتي عبد الله بن محمد بن أحمد ابن أبي الوليد المالكي، إمام محراب المالكية بالجامع الأموي. حدث عن ابن البخاري.
ومات الخطيب البليغ شمس الدين محمد بن عبد الأحد بن الوزير الحنبلي خطيب الجامع الكريمي.
ومات شيخ القراء الإمام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بصخان الشافعي، ودفن بباب الفراديس، وله خمس وسبعون سنة. حدث عن ابن إسماعيل ابن الفرا وطبقته، وتلا بالسبع على الدمياطي.


سنة أربع وأربعين وسبعمائة
وفي رجب جيء بتنكز مصبرا في تابوت من الإسكندرية، فدفن بتربة جوار جامعه بدمشق.
وفي منتصف شعبان كانت الزلزلة العظمى العامة، فهدمت مدينة منبج، وتهدمت منها أماكن بحلب، وغيرها، واستمرت تتعاهدهم بحلب إلى بعد عيد الفطر.
وفيها قدم الصاحب مكين الدين إبراهيم بن قروينة من القاهرة على نظر الدواوين بالشام في رمضان، وصرف عنها الصاحب تاج الدين بن أمين الملك إلى طرابلس.
وفي شوال قدم الصاحب شمس الدين موسى بن التاج عبد الوهاب من مصر إلى حلب على نظر الدواوين بها.
وفي مستهل ربيع الآخر احترق سوق الصالحية من أوله إلى آخره. وولي قضاء الشافعية بحلب شيخنا الزاهد قاضي القضاة نور الدين محمد بن محمد بن الصايغ، ودرس بعده بالدماغية بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخذ في قول الله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه}.
ومات المعمر الصالح كمال الدين محمد بن القاضي محيي الدين بن الزكي القرشي الشافعي مدرس العزيزية والتقوية عن سن عالية. سمع من ابن البخاري، وغيره. ودرس بعده بالتقوية القاضي الإمام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي وأخذ في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.
ومات الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف، الحنفي، سبط ابن عبد الحق. سمع جده أبو العباس وابن البخاري، وغيرهما. وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، ثم صرف عنه في سنة ثمان وثلاثين، فقدم دمشق. وإليه انتهت رياسة المذهب.، توفي في ذي الحجة.
ومات بحلب الحافظ الإمام شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي. ولد سنة خمس عشرة، عام مولدي. وسمع بالقاهرة من مشيخة الوقت، وقدم دمشق غير مرة، واعتنى بالرجال، وبرع، وكتب، وتعب. وكان فيه شهامة ورقة نفس، توفي في ربيع الأول.
وفيه مات بالقدس القاضي الإمام النبيل شرف الدين أبو بكر ابن محمد بن العلامة شهاب الدين محمود الحلبي، وكيل بيت المال بدمشق، توفي فجأة، وولي بعده القاضي أمين الدين بن القلانسي.
ومات بظاهر دمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة خمس وسبعمائة. وسمع أبويه والقاضي تقي الدين سليمان وأبا بكر بن عبد الدايم، وهذه الطبقة، ولازم الحافظ المزي فأكثر عنه وتخرج به.، واعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف.، وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من جلة أصحابه.، ودرس بالمدرسة الصدرية. وولي مشيخة الضيائية والصبابية. وتصدر للاشتغال والإفادة. وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه والتفسير والأصلين واللغة والعربية. تخرج به خلق.، وروى الذهبي عن المزي عن السروجي عنه. توفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى. وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ بعد دفنه: والله ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه. رحمهما الله.
ومات بحلب المفتي الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن إبراهيم السفاقسي المالكي في رمضان.
ومات بدمشق المعمر الصالح الخير زين الدين عبد الرحيم بن إبراهيم ابن كاميار، القزويني الأصل، الدمشقي، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث بالإجازة عن عثمان ابن خطيب القرافة والبكري، وخلق.
ومات المسند شهاب الدين أبو القاسم عبد الله بن علي بن محمد بن عمر ابن هلال الأزدي الدمشقي. ولد سنة إحدى وسبعين.، وحضر ابن أبي اليسر ويحيى بن الحنبلي. وسمع ابن علان وطائفة. توفي في منتصف رجب.
ومات بالكرك الشرف محمد بن عبيد الله بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الصالحي، ثم الكركي.، حدثنا عن ابن البخاري، انتهت إليه رياسة عمل المنجنيق، وبه قتل في جمادى الأولى.
ومات بالقاهرة العلامة تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن التركماني الشافعي أحد أركان المذهب.
ومات بالقريتين ملك العرب شرف الدين عيسى بن فضل ابن أخي الملك مهنا، ونقل فدفن بحمص.
ومات بدمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون أقضى القضاة، تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي، ولد بالمحلة في ربيع الآخر سنة خمس وسبعمائة، وأحضر على أبوي الحسن علي بن عيسى بن القاسم وعلي بن محمد بن هارون التغلبي وغيرهما. وسمع من الحسن الكردي وعلي بن عمر الواني ويونس الدبوسي وست الوزراء، وخلق. وأجاز له عام مولده الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره. وحدث.، وكتب بخطه المليح المتقن شيئا كثيرا.، وانتقى على جماعة من شيوخه.، وكتب العالي والنازل.، وبرع في الفقه والأصلين والحديث واللغة. وأفتى ودرس وأفاد.، وتلا بالسبع على الأستاذ أبي حيان، وأخذ عنه علم العربية. وتفقه بجده وأبي عبد الله السنباطي وشيخ الإسلام السبكي.، وناب في الحكم.، وتوفي في ثاني عشر ذي القعدة رحمه الله.
ومات بحلب في ذي الحجة العلامة كمال الدين عمر بن محمد بن عثمان بن العجمي في حدود الأربعين. سمع بدمشق من جماعة. وأفتى ودرس وناظر.


سنة خمس وأربعين وسبعمائة
في صفر فتحت الكرك وقبض على السلطان الملك الناصر أحمد.، ثم قتل ودفن هناك، واحتمل رأسه إلى القاهرة وزين البلد.
وفي ذي الحجة قدوم شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل من القاهرة على نظر الدواوين بالشام.
وفي سادس رمضان أثلجت السماء ثلجا عاما بحيث أنه أصبح على الأسطحة نحو الذراعين، وفي بعض الأماكن طول الرمح، وتقطعت السبل، وهلك الدواب والمواشي، ومات خلق من السفارة بالطرق، واستمر على ذلك خمسة أيام تباعا ولم يزل يتعاهدنا الثلج إلى ثاني شوال.
ومات بظاهر دمشق المعمر الصالح شمس الدين محمد بن علي بن هكام القيسي المعروف بابن البلوط، حدث عن ابن عبد الدايم.
ومات بالقاهرة شيخ النحاة العلامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الجياني ثم المصري الظاهري، عن تسعين نسة وأشهر، حدث عن محدثي الأندلس والقاهرة وغيرهم. وعني بالحديث والفقه والتفسير واللغة، وأما العربية فهو حامل لوائها. وقد سارت بذكره وتصانيفه. ونظمه ونثره الركبان في أقطار البلدان. تخرج به أئمة، ودرس بالقبة المنصورية وغيرها، وتوفي في ثامن عشرين صفر، أضر في آخر أيامه.
ومات بدمشق العلامة قاضي القضاة جلال الدين أبو المفاخر أحمد بن قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أنو شروان الرازي ثم الدمشقي الحنفي، عن ثلاث وتسعين سنة ونصف. حدث عن ابن البخاري وغيره، وناب في الحكم بدمشق عن والده ثم ولي استقلالا. ثم عرض له صمم فصرف بالقاضي شمس الدين بن الحريري. ودرس بالخاتونية والريحانية والقصاعين، وإليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، توفي في رجب، ودفن بمدرسته التي أنشأها بدمشق المعروفة بالجلالية وكانت سكنه رحمه الله.
ومات بأطرابلس شيخنا مجد الدين محمد بن عيسى بن يحيى بن أحمد أبو الخطاب السبتي المصري ثم الدمشقي، الصوفي، عن اثنتين وسبعين سنة. حدث بجامع الترمذي عن ابن ترجم، وولي مشيخة دويرة حمد بباب البريد.
ومات بدمشق شيخ الأدب الإمام ذو الفنون نجم الدين علي بن داوود بن يحيى بن كامل القرشي القحفازي الحنفي، خطيب جامع تنكز، ومدرس الحنفية بالظاهرية. سمع من البرهان بن الدرجي وغيره. ولد سنة ثمان وستين، وولي بعده الخطابة القاضي عماد الدين بن العز.
ومات بالصالحية المعمر الصالح الرئيس الكامل زين الدين عبد الرحمن بن علي بن حسين بن مناع التكريتي ثم الدمشقي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وستمائة، وحدث بالصحيح وغيره عن ابن عبد الدايم، وتوفي في خامس شعبان، وكان رجلا مهيبا، نبيلا، منور الشيبة، كريم الأخلاق، محتشما. أقعد في أواخر عمره.
ومات المسند المقرئ المعمر أبو عمر عثمان بن سالم بن خلف البذي، المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفي في شعبان وقد جاوز المائة.
ومات الإمام المفتي الكبير الزاهد أبو عمرو أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي جعفر أحمد ابن قاضي الجماعة أبي الوليد محمد الإشبيلي ثم الدمشقي المالكي، ولد بغرناطة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدم دمشق فسمع من ابن البخاري وابن مؤمن والفاروثي وغيرهم. حدث عنه الذهبي. وأم بمحراب المالكية بالجامع، توفي في ثاني رمضان، وكان يخضب.
ومات بالقاهرة الأمير العالم الكبير علم الدين أبو سعيد سنجر الجاولي المنصوري. سمع من قاضي الشوبك دانيال مسند الشافعي في سنة ثمان وثمانين، وشرحه بإعانة غيره في عدة أسفار. وله آثار حسنة بالبلاد الشامية وغيرها. توفي في رمضان.
ومات ببرزة خطيبها المعمر الصدر سليمان بن أحمد البانياسي، ثم الدمشقي الشافعي، عن إحدى وثمانين سنة. سمع من ابن البخاري وهو خطيب، وحدث عنه وهو خطيب. توفي في شوال.
وماتت بالصالحية الشيخة الصالحة الخيرة المعمرة أم عبد الله حبيبة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسية عن إحدى وتسعين سنة. حدثت عن ابن عبد الدايم وغيره. وأجاز لها في سنة أربع وخمسين وستمائة محمد بن عبد الهادي وابن السروري وابن عوه وطائفة. وكانت سوداء. ماتت في ذي القعدة. ولم تتزوج.
وفي ليلة الجمعة ثاني عشر ذي القعدة مات شيخنا الإمام العلامة بقية السلف قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن إبراهيم ابن النقيب الشافعي عن بضع وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره. وجالس شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وولي قضاء حمص، ثم أطرابلس، ثم حلب، ثم صرف. ودرس بالشامية الكبرى عوضا عن ابن جملة. وكان أحد أوعية العلم. ودرس بعده بالشامية شيخ الإسلام السبكي.


سنة ست وأربعين وسبعمائة
وفي ليلة الخميس رابع ربيع الآخر مات المولى السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، واستقر أخوه الملك الكامل شعبان فكانت أيام الصالح ثلاث سنين وثلاثة أشهر. ولما ملك الملك الكامل شرع في تفريق كبار الأمراء، فجهز الأمير سيف الدين آل ملك إلى صفد، بعد نيابة مصر. وسيف الدين قماري إلى طرابلس. وسيف الدين طقزتمر إلى مصر، بعد نيابة دمشق والحاج أرقطاي إلى حلب. وسيف الدين يلبغا اليحياوي إلى دمشق، بعد نيابة حلب. وسيف الدين آق سنقر إلى مصر، بعد نيابة طرابلس. وسنجر الأمير حسام الدين طرنطاي البجمقدار إلى دمشق، بعد حجوبية مصر. وسيف الدين طقتمر الخليلي إلى نيابة حمص، بعد حجوبية دمشق. وسيف الدين أياز إلى غزة، بعد نيابة جعبر. فقدم الأمير سيف الدين يلبغا إلى دمشق على نيابتها بكرة يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى. وفيه عزل الصاحب تقي الدين بن مراجيل عن نظر الدواوين بدمشق. وولي الصاحب بهاء الدين بن سكرة الحلبي.
وفي منتصف الشهر مات شيخنا الرئيس الإمام عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي محتسب دمشق، وناظر الجامع. حضر زينب بنت مكي. وكان رجلا خيرا دمث الأخلاق، ذا شارة وبزة حسنة، وسيما، مجتهدا في لف العمامة. ودرس بعده بالحنبلية عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية.
وولي الحسبة عماد الدين بن الشيرازي.
ومات بأطرابلس قاضيها، كان، العلامة حسام الدين حسن بن رمضان القرمي مدرس الناصرية بالجبل. تفقه للشافعي، وبرع في علم الحديث، وصنف وأفاد. وكان أحد الأئمة. ودرس بعده بالناصرية شيخنا نجم الدين بن قوام.
وفي غرة جمادى الآخرة مات بالقاهرة الأمير سيف الدين طقزتمر. نائب الشام كان.
وفي ثاني عشره، مات القاضي الإمام علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي خطيب جامع الأفرم، ونائب الحكم عن القاضي عماد الدين الطرسوسي. وولي بعده نيابة الحكم شيخنا الإمام شرف الدين الكفري.
وفيه مات بحمص نائبها الأمير سيف الدين طقتمر الخليلي صاحب المدرسة الخليلية بدمشق. ونقل إلى دمشق في تابوت، ودفن بالقبيبات.
ومات الأمير سيف الدين أياز الساقي نائب غزة بها.
وفي رجب مات شيخنا الإمام القدوة الزاهد نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي ثم الدمشقي الشافعي، ودفن بزاوية جده بقاسيون. درس بالناصرية بالجبل، وثنا عن عمر بن القواس وغيره.
ومات بطيبة المشرفة المحدث المفيد الزاهد، نور الدين علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون في رجب.
وفي سابع عشر منه مات بدمشق القاضي الرئيس النبيل، بدر الدين محمد بن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله العمري العدوي صاحب ديوان الإنشاء بدمشق. وولي بعده القاضي تاج الدين بن الزين خضر.
وفي عاشر شعبان مات الصاحب بهاء الدين أبو بكر بن موسى بن سكرة الحلبي ناظر الدواوين بالشام. وولي بعده الصاحب علاء الدين بن الحراني.
وفي ذي القعدة مات بدمشق الأمير علاء الدين علي بن معبد البعلبكي، ودفن إلى جانب والده داخل دمشق بتربة أنشأها له وجعلها دار قرآن.
وفي ذي الحجة مات الأمير الكبير جنكلي بن محمد بن البابا بمصر.
والأمير سيف الدين قماري نائب طرابلس بها.
والأمير سيف الدين آل ملك نائب صفد بها.
والأمير سيف الدين ألمش الحاجب كان بدمشق، توفي ببانياس، ونقل في محفة فدفن بالقبيبات.


سنة سبع وأربعين وسبعمائة
في جمادى الأولى منها خرج نائب دمشق الأمير سيف الدين يلبغا ومعه الأمراء فنزلوا بميدان الحصا، وكتب إلى النواب بحلب وحماة وحمص وطرابلس، وغيرها بما فعله، فأجابوه إلى ذلك، سوى نائب حلب، وقدموا عليه في جملة من عساكرهم فحلفوا له مع أمراء دمشق وأقاموا معه. فلما بلغ أهل مصر ما فعله أهل الشام انتحوا لأنفسهم، وانعزلوا عن السلطان الملك الكامل ولاموه فيما فعله بكبار الأمراء، فحلف ألا يعود، فلم يطمئنوا إليه واجتمعوا بالخليفة الحاكم والقضاة، وأبدوا لهم ما فعله السلطان بالأمراء من سفك دمائهم وتشتيتهم عن أوطانهم، فاتفقوا على خلعه، فخلعوه واعتقلوه هو وجماعة من بطانته، فكانت دولته أربعة عشر شهرا. وتملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل جمادى الآخرة.
وقدم الأمير بيغرا إلى دمشق بالبشارة بذلك فرجعت العساكر، ودخل نائب الشام في عسكر عظيم، حوله نواب السلطنة بحماة، وحمص، وأطرابلس، وصفد، وعسكر دمشق. واستقبلهم الناس بالشمع، وامتدحهم الشعراء، وبين أيديهم الأسد، وكان يوما مشهودا، ثم خنق الكامل في اليوم الثالث من خلعه.
وفي هذا العام أنشئ الجامع السيفي يلبغا بدمشق.
وفي ربيع الآخر مات القاضي تاج الدين محمد بن الزين خضر المصري صاحب ديوان الإنشاء بالشام. وولي بعده القاضي الإمام ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي فقدم إلى دمشق من حلب في ثاني عشر جمادى الأولى.
وفي هذا الشهر مات ببعلبك شيخنا الإمام القدوة محيي الدين عبد القادر ابن الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن اليونيني شيخ بلد بعلبك. حدث عن الفخر وطائفة.
وفي رجب مات بأطرابلس قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور الزرعي الشافعي. وكان عمل نيابة الحكم بدمشق.
وفي شعبان مات بدمشق شيخنا القاضي الإمام العالم الرئيس الكامل تقي الدين أبو محمد عبد الكريم ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي ابن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الأموي العثماني المصري، ثم الدمشقي الشافعي. ولد ليلة عرفة سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، ثم قدم فتفقه بها، وسمع من ابن البخاري وغيره. وولي مشيخة الشيوخ، ودرس بأماكن، وكان رجلا ساكنا، عاقلا، مهيبا، وقورا، ذا غور ودهاء. وفيه مكارم وإفضال، رحمه الله.
ومات السيد الشريف النقيب علاء الدين علي ابن السيد النقيب زين الدين الحسين بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب العلويين بدمشق. ولد في مستهل سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري. وباشر المواريث، ثم نقابة السادة. وتوفي في شعبان. وولي بعده السيد زين الدين الحسين ابن عمه.
ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن حسين القرشي الصوفي الصالحي، أحد مشايخها الزهاد. ولد سنة ست وستين. وسمع الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وغيرهما. وتوفي في رمضان ودفن بزاوية جده بقاسيون.
ومات شيخنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس الحنفي. سمع الفخر وابن شيبان وخلقا، باعتناء أخيه المحدث شمس الدين. وولي مشيخة الكاملية بالجبل بعد أخيه. توفي في شوال.
وفيه ماتت المعمرة الصالحة العابدة أم إبراهيم فاطمة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسية الصالحية، خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل، وآخر من حدث بالإجازة عن محمد بن عبد القادر وابن السروري وابن عوة وخطيب مردا. توفيت في شوال عن أزيد من ثلاث وتسعين سنة.
ومات شيخنا المعمر الثقة زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي الحنبلي، أخو شيخ الإسلام تقي الدين. ولد بحران سنة ثلاث وستين، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، والشيخ شمس الدين، وخلقا. توفي في ذي القعدة.
ومات بقطنا الزاهد القدوة الشيخ علي بن عبد الله القطناني. وكان له أحوال وكشف وكرم.
وفي شوال صرف الصاحب علاء الدين الحراني ناظر الدواوين بالشام، وولي الصاحب تقي الدين بن هلال.
سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
وفي جمادى الأولى جاء الخبر إلى دمشق بمسك جماعة من كبار أمراء مصر، منهم آق سنقر والحجازي وبيدمر البدري، وغيرهم تتمة ستة. فجمع نائب الشام الأمير سيف الدين يلبغا الأمراء بعد الموكب واستشارهم فيما يصنع، فاختلفوا عليه. فكاتب إلى النواب في البلاد الشامية، فأجابه بالطاعة نائب حلب أرغون شاه، فتحول نائب دمشق بأهله وخزانته إلى القصر الظاهري، فأقام به أياما، فقدم عليه أمر السلطان يعلمه أنه قد كتب تقليد أرغون شاه نائب حلب بنيابة دمشق، ويأمره بالشخوص إلى القاهرة، فانتهر الرسول ورده بغير جواب. فلما كان من الغد وهو يوم الخميس منتصف الشهر خرج بجميع أهله وغلمانه ودوابه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به اليوم، وخرج معه أبوه وإخوته وجماعة من الأمراء، منهم: قلاوون، وسيفاه فيمن أطاعهم، فباتوا ليلتئذ بأرض القبيبات، فلما كان من الغد يوم الجمعة نودي في البلد؛ من تأخر من الأمراء والجند عن الوطاق شنق على باب داره، فتأهب الناس للخروج، وطلع الأمراء فاجتمعوا إلى السنجق السلطاني تحت القلعة، فلما تكاملوا ساروا نحوه بعد صلاة الجمعة ليمسكوه، فجهز ثقله وزاده، وما خف عليه من أمواله، ثم ركب بمن أطاعه، ووافاه الجيش عند ركوبه وهابوا أن يبدأوه بالشر فتقدمهم وساقوا وراءه. وأما أهل القبيبات وعوام الناس والأجناد البطالة فنهبوا خامه، وكانت قيمته ما يزيد على مائة درهم، فقطعوه ونهبوا مطبخه وما قدروا عليه من الشعير، والجمال، والمتاع. وأما العسكر فساقوا خلفه وتتابعت عليه الجيوش وأحاطت به العرب من كل جانب فألجئوه إلى واد بين حماة وحمص. فدخل إلى نائب حماة بعد أن قاسى من الشدائد ما قاسى، فاستجار به فأجاره وأنزله وأكرمه، وكتب إلى السلطان الملك المظفر يعلمه بذلك، فجاءه الجواب بمسكه فقبض عليه نائب حماة، وقيده وأرسل به محتفظا عليه، فلما وصل إلى قاقون جاءه أمر الله فخنق هناك، واحتزوا رأسه ومضوا به إلى القاهرة. ثم قدم إلى دمشق شيخنا الأمير نجم الدين بن الزيبق، صحبة الصاحب علاء الدين الحراني للحوطة على أموال يلبغا ومن تبعه من الأمراء.
ومات الأمير سيف الدين قلاوون الناصري في هذه الأيام بحمص.
وفي جمادى الأولى عزل الصاحب تقي الدين بن هلال من نظر الدواوين في الشام، ثم مات في رجب. وولي بعده الصاحب شمس الدين موسى بن عبد الوهاب القبطي، ثم عزل في ذي الحجة منها بالصاحب جلال الدين بن الأجل، ثم أعيد في صفر من العام الآتي.
وفي ثامن عشر جمادى الآخرة قدم الأمير سيف الدين أرغون شاه من حلب على نيابة دمشق.
ومات قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمذاني النويري المالكي في ثاني المحرم عن بضع وثمانين سنة. وولي بعده قضاء المالكية نائبه الإمام جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي.
ومشيخة الشيوخ شيخنا علاء الدين علي بن محمود القونوي الحنفي الصوفي.
ومات المعمر الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي ثم الدمشقي الصالحي ابن قيم الصاحبة. ولد سنة ستين وستمائة. حدث عن ابن عبد الدايم، وعبد الوهاب المقدسي، توفي في المحرم.
ومات شيخنا تقي الدين أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر بن تبع البعلي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين. وسمع من ابن البخاري وطائفة. وأسره التتار عام غازان، ثم خلصه الله من أيديهم. وكان رجلا صالحا لطيفا خفيف الروح، صاحب ملح ونوادر. وكان يتكلم بعدة ألسنة.
ومات بالقدس شيخنا الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور أحد فقهاء الشافعية، ومدرس الصلاحية عن بضع وثمانين سنة. حدث عن البخاري وغيره. وبرع في الفقه واللغة والعربية، وعني بالحديث. وتفقه بالشيخ تاج الدين. ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، وسمع الكتب الكبار المطولة. وكان يكتب اسمه في الطباق عليان. اختلط قبل موته بمدة. توفي في منتصف رمضان.
ومات بدمشق شيخنا الأمير نجم الدين داوود بن أبي بكر بن محمد البعلي، ثم الدمشقي المعروف بابن الزيبق.
حدث عن ابن جوشكين، والتاج عبد الخالق، وبنت كندي. وكان رجلا شجاعا، حازما، عاقلا، سئوسا، مهيبا. تنقل في المباشرات بدمشق وغيرها. توفي في رجب.
وفيه مات الشيخ نجم الدين أبو الفتح أحمد ابن العلامة شمس الدين محمد ابن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي. حدث عن ابن البخاري وطائفة، وكان مغفلا.
ومات بدمشق في شعبان الأمير الكبير حسام الدين طرنطاي بن عبد الله البجمقدار الناصري، أحد أمراء الألوف بدمشق عن سن عالية. حدث عن عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدايم، وابن الشحنة. وولي حجوبية مصر والشام. وكان ذا حزم وخبرة، رحمه الله.
ومات بالصالحية الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع الناسك، عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي، عن خمس وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم حضورا، وسمع من الشيخ شمس الدين وطائفة. وخطب بالجامع المظفري. ودرس بأماكن. وكان رحمه الله على سمت السلف هديا ودلا، مواظبا على تشييع الجنائز وتلقين الموتى، طلق الوجه، حسن البشر، مهيبا، وقورا، أمارا بالمعروف، توفي في رمضان.
وفي رمضان قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون الناصري. وولي بعده أخوه الملك الناصر حسن بن محمد، وكانت دولة المظفر خمسة عشر شهرا.
وفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة مات شيخنا الحافظ الإمام العلامة مؤرخ الشام ومحدثه ومفيده، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي المعروف بالذهبي الشافعي، مصنف كتاب الأصل، وصاحب كتاب تاريخ الإسلام، وسير النبلاء، والميزان، وغير ذلك. ولد سنة ثلاث وسبعين، وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جرا. فحدث عن عمر بن القواس والشرف بن عساكر والأبرقوهي وخلق. وشيوخه في معجمه الكبير نحو ألف وثلاثمائة بالسماع والإجازة. وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد وحنبل والكندي وابن الحرستاني. وخرج لجماعة من شيوخه. وجرح وعدل، وفرع وأصل، وصحح وعلل، واستدرك وأفاد، وانتقى واختصر كثيرا من تواليف المتقدمين والمتأخرين، وصنف الكتب المفيدة السائرة في الآفاق، وخطب بكفر بطنا مدة. ثم ولي مشيخة الحديث بأماكن، ولم يزل يكتب ويدأب حتى أضر في سنة إحدى وأربعين. توفي في هذا العام رحمه الله.
ومات في ذي الحجة بالمزة الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي. حدث عن ابن البخاري وغيره. وولى قضاء الحنفية بدمشق في سنة سبع وعشرين بعد القاضي صدر الدين البصراوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان رجلا جليلا، مهيبا، وقورا، كثير التلاوة، متعبدا. وولي بعده ابنه نجم الدين إبراهيم.


سنة تسع وأربعين وسبعمائة
وفي أولها اشتهر أن السلطان الشيخ حسن الكبير حاكم بغداد وَجد دفينا في بعض خرائب دور الخلافة ببغداد مقدار عشرة قناطير ذهب في خوابي نحاس مسلسلة، وأنه أبطل بسبب ذلك مظالم ومكوس.
وفي أواخر صفر من هذا العام، كان الطاعون العام بأقطار البلدان، وامتد إلى أواخر المحرم من العام المقبل، فقيل: مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد نحو أحد عشر ألف نفس. وأما دمشق فأكثر ما ضبط في اليوم أربعمائة نفس.
فممن مات من المشهورين بالقاهرة ومصر
العلامة شمس الدين محمد ابن أحمد بن لاحق المعروف بابن عدلان، عن بضع وثمانين سنة. درس بأماكن، وناب في الحكم عن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد قبل السبعمائة، وتخرج به أئمة.
والإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان الإسعردي مدرس قبة الإمام الشافعي.
والإمام الأصولي شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصبهاني الحافظ.
والحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك بن عبد الله الدمياطي.
والمحدث المفيد شرف الدين صالح بن عبد الله القيمري.
وقاضي الإسكندرية الإمام جمال الدين محمد بن محمد بن سبط القيسي. وابنه القاضي جمال الدين.
وبحلب شيخنا الفقيه العلامة جمال الدين يوسف بن مظفر بن عمر بن الوردي.
وزاهدها الشيخ علي بن محمد بن نبهان. الرقي الأصل الجبريني.
وقاضيها شيخنا الإمام نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر، ابن الصايغ الشافعي.
وبدمشق القاضي الإمام عز الدين محمد بن عيسى ابن الأقصرائي الحنفي نائب الحكم.
وشيخنا شمس الدين محمد بن الصلاح الشهرزوري مدرس القيمرية.
وخطيب دمشق البليغ تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين محمد القزويني. وولي بعده الخطيب جمال الدين محمود بن جملة.
والحاكم العادل زين الدين عمر بن سعد الله بن النجيح الحراني ثم الدمشقي الحنبلي. حدث عن التقي بن الواسطي، وابن البخاري وطائفة.
وأخوه السيف أبو بكر. حدث عن الفخر وجماعة.
وشمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي محدث الصالحية. حدث عن الفخر وغيره.
والمعمر بهاء الدين علي بن العز عمر بن أحمد بن عمر الشروطي عن تسع وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. وخرجت له عوالي، توفي في المحرم.
وفخر الدين عثمان بن عمر بن عثمان بن الحرستاني المؤذن، عن اثنتين وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري، وابن المجاور. توفي في ربيع الأول.
والعدل بهاء الدين محمد بن الإمام شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي الحنبلي. حضر عمر بن القواس، وسمع من طائفة. وولي العقود، ومشيخة الأسدية.
وأمه سكينة بنت الحافظ شرف الدين اليونيني. حدثت عن أبيها، والقاضي تاج الدين عبد الخالق، والثقة شهاب الدين محمد بن أحمد بن هارون الساوجي الصوفي، عن نحو سبعين سنة. حدث بالترمذي عن ابن البخاري. وولي مشيخة خانقاه القصاعين.
والرئيس النبيل، عماد الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى أبو المعالي ابن الشيرازي الدمشقي، عن بضع وستين سنة. حدث عن ابن البخاري حضورا، وعن الأبرقوهي. وولي نظر الجامع والحسبة مرات. وكان فيه شهامة توفي في شعبان.
وشيخ الشيوخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمود بن حميد بن مؤمن القونوي ثم الدمشقي الحنفي مدرس القليجية.
والقاضي الإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري، صاحب ديوان الإنشاء بالشام كان. وصاحب كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، في عدة أسفار. ولد في شوال سنة سبعمائة، وتوفي يوم عرفة، أجاز له الأبرقوهي.
وشيخنا زين الدين عبد الرحمن بن حافظ الآفاق جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي المزي، عن إحدى وستين سنة. حدث عن ابن البخاري وخلق. وتوفي في جمادى الأولى.
والإمام صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم المالكي شيخهم، ومدرس الشرابيشية، وشيخ التنكزية بعد الذهبي.
والإمام العلامة نور الدين فرج الأردبيلي الشافعي، مدرس الناصرية والجاروخية، وشارح منهاجي البيضاوي والنووي.
والصدر النبيل شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي العز الحراني ثم الدمشقي المعروف بابن الصباب. ولد سنة أربع وسبعين وستمائة، وسمع من الشيخ شمس الدين وابن البخاري. وهو واقف المدرسة الصبابية بدمشق.
والتاجر الكبير شمس الدين أفريدون العجمي واقف المدرسة المليحة الأفريدونية خارج باب الجابية.
والحافظ المفيد شرف الدين عبد الله بن محمد بن إبراهيم الواني الحنفي مدرس العلمية.
والحافظ نجم الدين سعيد بن عبد الله الدهلي البغدادي.
وشهاب الدين أحمد بن علي بن سعيد السيواني الصوفي.
وأحمد بن عيسى الكركي.
وشمس الدين محمد بن حسن ابن النقيب الحربي التميمي.
والحافظ شهاب الدين أبو الفتح أحمد بن شيخنا المحب عبد الله بن أحمد ابن المحب المقدسي. حدث عن عيسى المطعم وغيره.
وعمه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المحب.
وناصر الدين محمد بن طولبغا السيفي.
ومحمد بن عبيد البالسي المحدث. وأمم لا يحصيهم إلا الله تعالى.


سنة خمسين وسبعمائة
وفي ربيع الأول قدم الأمير سيف الدين ألجي بغا المظفري نائب طرابلس إلى دمشق مختفيا في جماعة من أصحابه، فنزل ليلا على الأمير فخر الدين إياس الذي كان نائب حلب، وكان نائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه تلك الليلة بالقصر الظاهري، فتلطف ألجي بغا وإياس بالبوابين ففتحوا ودخلوا إلى باب القصر فطرقوه بزعجة، فخرج أرغون شاه مسرعا، فقبضوه وسحبوه إلى خارج القصر عند المنيبع، فذبحوه وأمسكوا السكين بيده، وأحضروا من ليلتهم القاضي جمال الدين إبراهيم الحسباني والشهود وسألوهم هل تعرفون هذا؟ فأنكره القاضي والشهود، فعرفوهم به وراودوهم أن يعملوا محضرا أنهم وجدوه مذبوحا وبيده السكين، يعنون أنه ذبح نفسه، فامتنع القاضي والشهود وأدركهم الصبح، فظهر ألجي بغا وإياس، ونصبوا الخيام بالميدان الكبير، وأخرجوا كتابا مفتعلا على السلطان أنه أمرهم بما فعلوا، وجلس ألجي بغا والموقعون في الميدان فحكم ذلك اليوم، وعلم على المراسيم كعادة النواب، فلما كان في اليوم الثاني، أراد الخروج والعود إلى طرابلس، فخرج ذوو الرأي من الأمراء مثل ألجي بغا العادلي، وبدر الدين بن خطير في آخرين وهم ملبسون، وأرادوا منعه من الخروج من دمشق حتى يكاتبوا إلى مصر ويستصحوا الخبر، فانتدب لهم ألجي بغا الخارجي بمن معه بالسيوف، فتأخر عنه الأمراء وخافوا الفتنة، لكن قطعت يد ألجي بغا العادلي، وخرج ألجي بغا المظفري على حمية حتى قدم طرابلس، وبلغ ذلك السلطان فأنكر على أمراء الشام بسبب ذلك، وأرسل يطلب ألجي بغا المظفري، فخرج من طرابلس وشق العصا، فركب العسكر في طلبه، وتوجه إليه جماعة من عسكر دمشق وضايقوه في البرية حتى قبضوه وحضروا به إلى دمشق، وحبسوه وإياس بالقلعة، فورد المرسوم بقتلهما وإشهارهما، فقتلا في حادي عشرين ربيع الآخر، وعلقا تحت القلعة نصفين.
وولي نيابة دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري فقدمها في جمادى الآخرة، وكان لين الجانب.
وفيها مات المعمر الصالح الزاهد شمس الدين محمد بن عبد الحليم الرقي الحنفي النقيب عن نحو تسعين سنة. حدث عن أبي بكر بن البشتي وغيره. وكان من عباد الله الخاشعين.
وماتت المعمرة أمة العزيز زينب بنت المحدث نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز في المحرم أو في آخر ذي الحجة من العام الماضي. حدثت عن ابن عبد الدايم وخلق. جاوزت التسعين.
ومات قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن العلامة زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة سبع وسبعين وسمع أباه، وابن البخاري، وابن شيبان وطائفة استوعبهم ابن سعد في معجم خرجه له. وتفقه بأبيه وغيره، وأفتى ودرس. وولي قضاء الحنابلة بعد ابن الحافظ فشكرت سيرته. وكان رجلا وافر العقل، حسن الخلق، كثير التودد. توفي في ثامن شعبان. وولي بعده القاضي جمال الدين المرداوي.


سنة إحدى وخمسين وسبعمائة
فيها مات الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المشهور بابن قيم الجوزية. تفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من عيون أصحابه. وأفتى ودرس وناظر وصنف وأفاد. وحدث عن شيخه التعبير وغيره. ومصنفاته سائرة مشهورة. توفي في رجب.
ومات شيخنا العلم المسند سليمان بن عسكر الخواصي ثم الدمشقي المؤذن. حدث عن عمر بن القواس، والشرف بن عساكر، وجماعة. وحج كثيرا بوظيفة أذان الركب. وكان ينشد في التهاني والتعازي بما يناسب ذلك. وقد رأيت النبي ﷺ في المنام سنة خمس وخمسين وشيخنا هذا واقف بين يديه يقرأ: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} الآية.
ومات القاضي تقي الدين عبد الله ابن العلامة أقضى القضاة زين الدين ابن المرحل الشافعي. درس بالعذراوية بعد أبيه وخطب بالشامية. توفي بحلب.
ومات بأطرابلس الرئيس الكبير النبيل فخر الدين بن الحريري ناظر الجيش بها.
ومات بدمشق في شعبان شيخنا الإمام الثقة الكبير المعمر شمس الدين أبو المظفر يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي الشيرازي الأصل الصالحي الحنبلي. حدث عن أبيه، والشيخ شمس الدين وطائفة. ودرس بمدرسة الصاحبة بالجبل، ولد سنة خمس وستين. وكان عبدا صالحا.
ومات بدمشق الإمام العلامة مفتي الشام فخر الدين محمد بن علي المصري الأصل الدمشقي الشافعي، كهلا، حدث عن ابن الجرائدي، وبنت شكر وجماعة. وناب في الحكم عن القاضي جلال الدين القزويني. وأفتى ودرس بالرواحية والدولعية وغيرهما. وكان يلقي دروسا حافلة، ويورد في دروسه من الأحاديث الطوال حفظا سردا من غير توقف. وكان كثير التلاوة، مغترا بالتجارة رحمه الله.


سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
اتفق المصريون على خلع السلطان الملك الناصر حسن، فخلعوه في رجب. وأقاموا أخاه الملك الصالح صالح. وكان الناصر حسن قد أقام الأمير سيف الدين منجك وزيرا، وبيبغاروس نائبا بالقاهرة، ومغلطاي البوري رأس نوبة. وكان إليهم الحل والعقد، فلما حج بيبغا في العام الماضي توهم الأمراء أنه حج لأمر يريده، فأردفوه بالأمير طاز، فلما قضوا أمر الحج قبض طاز على بيبغا واحتفظ عليه، فقدم به، وبالملك المجاهد صاحب اليمن، وبرميثة صاحب مكة، وبطفيل صاحب المدينة، فهؤلاء أربعة ملوك قدم بهم طاز حتى وطئوا بساط السلطان الملك الناصر، فأنعم على صاحب اليمن ومن معه، وعظم أمر طاز عند الأمراء، فأرادوا إنشاء دولة من جهتهم، فخلعوا الناصر واعتقلوه فكانت دولته نحوا من ثلاث سنين وتسعة أشهر، وسلطنوا الملك الصالح، وقام بتدبير الملك: شيخو، وطاز، وصرغتمش، ولم يكن بهم بأس، فاعتقلوا الوزير منجك، ومغلطاي رأس نوبة، وعزلوا أيتمش من نيابة دمشق في آخر رجب وأحضروه إلى مصر، وأخرجوا بيبغاروس من القاهرة على نيابة حلب في أوائل شعبان.
وولي أرغون الكاملي نيابة دمشق فدخلها من حلب في حادي عشر شعبان.
وفيها مات شيخنا الزاهد عماد الدين أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي والد الحافظ شمس الدين. حدثنا عن الشيخ، والفخر.
ومات المولى الصاحب الأثير علاء الدين علي بن الحراني بالقدس في رمضان، ولي نظر الشام مرات، وكان عفيفا، دينا، متصونا، مطرح التكلف. انقطع بآخره بالقدس والرملة حتى مات، رحمه الله.
ومات شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة، ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم. ولد سنة تسع وثمانين. وحدث عن الأبرقوهي. وولي قضاء حلب بعد أبيه. توفي بحلب في شعبان.
وفي غرة ذي الحجة مات شيخنا الأمير السيد الشريف علاء الدين علي بن الخطيب شرف الدين أحمد بن محمد بن علي العباسي، أحد أمراء العشرات بدمشق. ولد بشيزر إذ كان أبوه خطيبها، في سنة إحدى وثمانين، وأحضر على شامية بنت البكري، ثم قدم دمشق، وولي القدس، ثم استادارية تنكز نائب الشام. ثم ولي شاد الأوقاف وكان شكلا حسنا، مهيبا، خليقا للإمارة. حدثنا عن شامية.
وماتت أخته الشريفة ست الفقهاء بعده بثمانية أيام. روت عن شامية أيضا.
ومات المقرئ المجيد شمس الدين محمد بن شيخنا سعيد بن فلاح بن أبي الوحش النابلسي الأصل، الدمشقي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي. توفي بدرب الحجاج، وصار قبره منزلة للحاج معروفة.
ومات شيخنا المعمر الثقة أبو سليمان داوود ابن إبراهيم بن داوود بن العطار الدمشقي الشافعي. ولد في شوال سنة خمس وستين، وتفقه، وجود الخط، وحدث عن الشيخ شمس الدين، وابن أبي الخير، وابن علان وطائفة. وأجاز له شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وآخرون. ولي مشيخة القليجية بعد أخيه الشيخ علاء الدين، توفي في جمادى الآخرة.


سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
وفي رجب خرج بيبغاروس من حلب إلى دمشق ومعه نائب طرابلس، ونائب حماة، ونائب الرحبة، واجتمع معهم طوائف التركمان، وغيرهم، فنزلوا ظاهر دمشق بميدان الحصا، ومعهم نائب صفد الأمير أحمد مشد الشربخاناه، فغلقت أبواب البلد دونهم. وكان نائب الشام أرغون الكاملي، لما بلغه أن بيبغا نائب حلب قد حشد وجمع وعزم على القدوم إلى دمشق، نادى في الناس بالاحتراز على أنفسهم وأموالهم، وحصن أهله وأمواله بالقلعة، وخرج بالعسكر حتى نزلوا بالرملة، وغالبهم ليس معه زاد. فلما قدم بيبغا دمشق بمن معه فتح حواصل نائب الشام أرغون من الغلال وغيرها واستخدم في الجهات السلطانية، وعاث من معه في أرض الغوطة بالنهب والفسق، فلما تحققوا خروج السلطان بالعساكر من أجلهم كروا راجعين إلى جهة حلب، وقدم السلطان الملك الصالح، والخليفة المعتضد، والوزير العلم بن زنبور، وعسكر مصر والشام من الرملة إلى دمشق، فدخلوها في أواخر شعبان، ومضى الأمير سيف الدين شيخو وجماعة من الأمراء إلى حلب، فأحضروا النواب الذين كانوا مع بيبغا إلى دمشق، فقتلوا صبرا، وتغيب بيبغا فلم يقدر عليه، واستكمل المصريون صيام شهر رمضان بدمشق، وخرجوا في ثالث شوال إلى القاهرة.
وفي هذا العام مات الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن أبي علي بن علي بن المسترشد بالله العباسي. توفي بالقاهرة، وبويع لأخيه المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر بعهد من أخيه.
وفيه مات جماعة بالطاعون بالشام وغيرها.
ومات الشيخ الزاهد أبو سلطان بالمزة. كان فقيرا حسنا، صاحب حال وكشف، وله أتباع ومريدون.
ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن القيسراني الخالدي المخزومي، من بيت الحديث والرواية. ولي كتابة السر بدمشق في الدولة الناصرية.
ومات الإمام العالم بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن إمام المشهد. تفقه، وبرع، وطلب الحديث بنفسه، وأسمع أولاده. وحدث عن السخاوي وغيره. ودرس بالأمينية قديما، وبغيرها. وأفتى وناظر، وولي حسبة دمشق، وخطب بجامع التوبة. وتوفي بدمشق في رمضان كهلا.
ومات في شوال القاضي شمس الدين محمد بن سليمان بن أحمد القفصي نائب الحكم المالكي. وولي بعده شهاب الدين أحمد بن البيع الإسكندري.
وفي ذي الحجة مات شيخنا المعمر شهاب الدين أحمد بن المحدث عماد الدين إبراهيم بن الكيال الحنفي الكاتب، عن سن عالية. حدث عن الشيخ، والفخر.
وفي هذا الشهر قدم الأمير علاء الدين المارداني من القاهرة إلى دمشق على نيابتها عوضا عن أرغون الكاملي، فدخلها في حاشية. واستقر أرغون على نيابة حلب.


سنة أربع وخمسين وسبعمائة
في المحرم توجه الأمير عز الدين طقطاي الدوادار إلى حلب، فأخذ أرغون نائبها وساروا نحو بيبغاروس إلى أرض الروم فأمكنهم الله منه، فأمسكوه ورجعوا به إلى حلب فقتلوه، واحتمل رأسه إلى القاهرة، وأراح الله العباد منه.
ومات في ربيع الآخر الأمير الكبير المعمر سيف الدين ألجي بغا العادلي، توفي بدمشق.
ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش بدر الدين مسعود بن الأمير أوحد ابن مسعود بن خطير، أحد أمراء الألوف بدمشق. ولد سنة ثلاث وثمانين. وحدث عن الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد بأربعينه، وولي حجوبية مصر، ثم نقل إلى دمشق، وولي نيابة طرابلس غير مرة. توفي بدمشق في سابع شوال، وخلف عدة أولاد أمراء.
ومات الشيخ المسند المعمر مسند الدنيا، صدر الدين أبو الفتح محمد ابن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي المصري، خاتمة أصحاب النجيب عبد اللطيف توفي بالقاهرة عن تسعين سنة. خرجت له جزءا من عواليه، حدث به غير مرة.
ومات الوزير الصاحب الأمير علم الدين عبد الله بن زنبور القبطي. وكان قبض عليه في ذي القعدة من العام الماضي عند وصول السلطان إلى القاهرة، فصودر حتى هلك في هذا العام، واستصفيت حواصله. ووزر بعده الصاحب موفق الدين عبد الله القبطي وكان خيرا ممن تقدمه.


سنة خمس وخمسين وسبعمائة
وفي شهر رجب ألزمت الذمية بالعهد العمري، وأن تلبس نساؤهم الأزر الملونة، وأن لا يستخدموا. فأسلم منهم طائفة طوعا وكرها. وممن أسلم من المعروفين؛ علم الدين داوود الإسرائيلي كاتب الجيش، والرشيد بن حباشة الكركي المستوفي، والمعلم رزق الله صاحب الديوان.
وفي شوال خلع السلطان الملك الصالح، فكانت دولته نحو ثلاث سنين، وثلاثة أشهر. وأعيد الملك الناصر حسن؛ وذلك أن الصالح كان يحب الأمير طاز ويقدمه في المشورة، فلما طلع طاز إلى الصيد اغتنموا غيبته ووثبوا على الصالح فأخذوا سيفه وأخرجوا الناصر فأجلسوه على الكرسي، وحلفوا له. واعتقلوا الصالح مكانه فلما بلغ طاز الخبر حضر إلى القاهرة فرأى الأمور قد تغيرت فرسم له الناصر بنيابة حلب، فخرج بأهله وحواصله بعد فتنة جرت بينهم، فقدم إلى دمشق مجتازا إلى حلب في شوال، وطلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي نائب حلب إلى القاهرة، فاجتاز بدمشق في غرة ذي القعدة ومضى فاعتقل بالإسكندرية.
وولي الوزير منجك نيابة طرابلس فدخلها في شوال. وكان قدم من طرابلس إلى دمشق الأمير علاء الدين مغلطاي النوري، رأس نوبة فمات في اليوم الثالث.
ومات بعده بثمانية أيام بأطرابلس نائبها الذي كان نائب دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري.
وفي جمادى الأولى ضربت عنق الشيخ الضال حسين بن عبد الله الحلي بدمشق، وأحرق لسبه الصحابة وإعلانه بلعن الشيخين، وشهادته أنهما ظلما أهل البيت حقهم.
وفي شعبان، وسط بأطرابلس ناظر الجيش بها كريم الدين عبد الله القبطي، لما تكرر منه من الألفاظ المؤدية إلى الانحلال والتلاعب بدين الإسلام. ثم أحرق.
وفي ربيع الآخر مات الوزير موفق الدين عبد الله بن سعيد الدولة القبطي بالقاهرة.
ومات بطيبة المشرفة القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون.
وفي ثاني رمضان مات بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين بن شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بالقاهرة، وسمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وقدم دمشق مع والده، فناب عنه في الحكم، ودرس، وأفتى، وناظر، وكان من قضاة العدل رحمه الله.
ومات في ذي القعدة القاضي جمال الدين إبراهيم بن محمد بن يوسف الحسباني الشافعي، نائب الحكم، عن نيف وثمانين سنة. وأم بالناس عليه نائب دمشق الأمير علاء الدين المارداني.
ومات الصدر شرف الدين سليمان بن حسن بن أحمد بن عمرون البعلي ثم الدمشقي، عن نحو ثمانين سنة. ولد بحماة وسمع أبا الحسين اليونيني وغيره. وولي نظر طرابلس وغيره، وبعلبك وعدة قلاع، ثم انقطع إلى الشهادة، ثم اختلط في أوائل سنة أربع وخمسين. ومات في آخر جمادى الآخرة من هذا العام.
وفي هذا الشهر وقع شيخنا غازي بن عثمان بن غازي المادح من طاقة فمات. له نظم حسن، وحدث عن الشهاب القرافي.
ومات بعده بيوم شيخنا سابق الدين عثمان بن علي بن بشارة الشبلي الحنفي عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره، وولي نظر خانقاه الشبلية. توفي في ثامن عشرين جمادى الآخرة.
ومات بالصالحية خطيبها البليغ نجم الدين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي. سمع جده وكان من فرسان المنابر. توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة. وقل من رأينا مثله في سمته.
ومات القاضي الإمام العالم المعمر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الظاهري الدمشقي الشافعي في عشر الثمانين. تفقه، وأفتى، ودرس، وحكم بالركب غير مرة. وحدث عن الشرف بن عساكر، وجماعة. وحج بضعا وثلاثين حجة. وشد الرحل إلى المسجد الأقصى نحو ستين كرة. حدث عنه البرزالي والذهبي. وتوفي في شعبان.
ومات الإمام العلامة ذو الفنون فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي ابن أحمد الهمداني الكوفي، ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الفصيح. ولد بالكوفة سنة ثمانين وستمائة. وسمع من الدواليبي وغيره. وتفقه وبرع. ثم قدم دمشق ودرس بالريحانية، وأفتى وناظر، وظهرت فضائله، وله النظم والنثر والمصنفات المفيدة. وكان رفيقي بالحج عام خمسين. وتوفي في شعبان من ذا العام. رحمه الله.
ومات بمصر المعمر تاج الدين فخر الذوات محمد ابن الزكي أبي بكر بن أبي البركات النعماني عن بضع وثمانين سنة. حدث عن العز الحراني وشامية وجماعة. وأجاز له يحيى بن الصيرفي، والشيخ محيي الدين النووي وطائفة. توفي في رمضان.
ومات المعمر مسعود بن عبد الرحمن بن صالح الجعبري عن نحو تسعين سنة. لبس الخرقة من الشيخ قطب الدين بن القسطلاني. وتوفي ببئر طي من الجيزة.
ومات بمكة عالمها الإمام شهاب الدين أحمد بن قاسم الحرازي. ولد سنة خمس وسبعين وسمع من الرضي الطبري، والتوزري، وجماعة باعتنائه. توفي في شوال.
ومات بالقاهرة الإمام قطب الدين أبو بكر بن عامر بن شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد. حدث عن جده، وابن الصواف، وجماعة. وولي قضاء المحلة. ودرس بالمسرورية. وتوفي في صفر.
ومات بدمشق القاضي الرئيس الصدر النبيل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن المسلم بن البارزي الحموي الشافعي، ناظر الأوقاف بدمشق، ولد في شوال سنة أربع وسبعين وستمائة، وتوفي في شوال من ذا العام. حدث بالغيلانيات عن غازي الحلاوي. وكان فيه تودد، وسكون، وديانة متينة، رحمه الله.
ومات بالصالحية الشيخ الصالح المعمر القدوة علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم الأرموي. حدث عن الفخر بن البخاري. وتوفي في شوال، ودفن بزاوية جده.
ومات بصفد المقرئ الصالح الخير شمس الدين محمد بن عمر بن أبي بكر المجدلي الخابوري الأصل الدمشقي، الصالحي، الكاتب. ولد بدمشق في سنة خمس وسبعين، وسمع ابن البخاري، وابن الواسطي، وجماعة. ونسخ عدة كتب ووقفها، ثم نزل صفد ومات بها رحمه الله.
وفي شوال صرف المولى الصاحب تاج الدين أحمد بن عبد الله أبو الفضائل ابن المولى الصاحب الوزير أمين الملك أبي سعيد القبطي من نظر الجيوش بالقاهرة، وصودر وضرب حتى هلك، وكان ولي نظر الشام. وعنده عقل، وسكون، وعفة.
وفي هذا العام قصد عرب البحرين التغلب على البصرة، فالتقاهم عسكرها المغل فعجزوا عنهم، فأمدهم صاحب بغداد الشيخ حسن الكبير بالأمير فواز بن مهنا، فالتقاهم وهزمهم وأسر منهم طائفة من الرجال والنساء، بعد أن قتل من الفريقين عدد كثير ثم من عليهم فواز وأطلق النساء.


سنة ست وخمسين وسبعمائة
استهلت وسلطان الإسلام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون. وخليفة الوقت المعتضد بالله بن المستكفي العباسي.
وفي هذا العام أخذ الفرنج أطرابلس المغرب يوم الجمعة غدرا، وهو أنهم دخلوا البلد قبل ذلك بهيئة التجار، فلما اطمأن بهم الوقت خرجوا على الناس يوم الجمعة وبذلوا السيف فقتلوا وأسروا، ثم استنقذها المسلمون بعد ذلك ولله الحمد.
وفي ربيع الآخر أمطرت السماء بردا شظايا بأرض الروم، أهلكت نحو مائة وخمسين قرية، فجعلتها حصيدا. وكان وزن الواحدة من ذلك نحو رطل وثلث بالحلبي، وذلك في نيسان.
وفيها جاء الجراد إلى الشام فأهلك جملة من الأشجار وغيرها.
وفي صفر ولي الإمام العلامة نور الدين علي بن عبد البصير بن علي السخاوي قضاء المالكية بالقاهرة. ومات في جمادى الأولى، فكانت ولايته ثلاثة أشهر.
وفي أواخر شهر ربيع الأول ولي قضاء الشافعية بدمشق الإمام العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي، عوضا عن والده شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن علي.
ثم توجه شيخنا قاضي القضاة تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي المذكور إلى القاهرة بعد أيام، ومات بها في ثالث جمادى الآخرة، ودفن هناك عن ثلاث وسبعين سنة. وقد حدث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي، ويحيى بن الصواف، وابن الموازيني، وابن المشرف، وخلق، وعني بالحديث أتم عناية، وكتب بخطه المليح الصحيح شيئا كثيرا في سائر علوم الإسلام، وهو ممن طبق الممالك ذكره، وسارت بتصانيفه وفتاويه الركبان في أقطار البلدان، وكان ممن جمع فنون العلم من الفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والورع، والعبادة، وكثرة التلاوة، والشجاعة، والشدة في بدنه واطراح التكلف. وكان رأسا في كل علم. ولي قضاء الشام في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. وخطب بالجامع الأموي في سنة اثنتين وأربعين. وتخرج به أئمة، وحمل عنه أمم، ولم يخلف بعده مثله رحمه الله.
ومات ببعلبك المعمر شجاع الدين عبد الرحمن بن علي بن إبراهيم خادم الشيخ الفقيه اليونيني. حدث عن ابن البخاري، وابن علان وطائفة. ولد سنة ست وستين، ومات في سادس عشر ربيع الآخر.
ومات بدمشق العدل بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الغني ابن قاضي حران الحنبلي المعروف بابن البطايني، عن ثمان وسبعين سنة. حدث عن ابن شيبان، وغيره. وولي قضاء الركب، والعقود، توفي في رجب.
ومات بالقدس الشيخ الصالح العارف شرف الدين محمد بن حجاج الكاشغري المعروف بالجيتي حدث عن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه، وغيره.
ومات مسند الشام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز. خاتمة أصحاب ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، وغيرهم. وهو ابن سبعين سنة.
ومات بحلب قاضي المالكية بها، زين الدين أبو حفص عمر بن سعيد ابن يحيى التلمساني المالكي. وكان جهولا.
ومات الشاعر المفلق شمس الدين محمد بن يوسف الخياط المعروف بالضفدع، عن ثلاث وستين سنة. حج هذا العام وهجا الحجاج بعد عوده كعوايده، فحلقوا لحيته وعزروه، فتعلل أياما. ومات بمعان في أوائل المحرم. أخذ صناعة الأديب عن الشهاب محمود.
ومات بالقدس الإمام الموقع تاج الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم بن البرنباري.
ومات يوم عرفة شيخنا التاجر الصالح عبد المؤمن ابن الوزير. حدثنا عن ست الوزراء. وحج ثلاثا وثلاثين حجة رحمه الله.
ومات في هذا العام خلق من الأمراء، منهم: المعمر نغيه الجمدار الناصري، وقردم، وملك آص، وسيفاه، وابن طبال، وقجا البريدي، ووالي الولاة ناصر الدين محمد بن داوود ابن الزيبق.
ومات بالقاهرة الصدر زين الدين الخضر بن محمد بن الخضر الشافعي الموقع، كهلا، حدث عن الشريف عز الدين وغيره.
ومات بمصر المعمر صدر الدين محمد بن أحمد بن أبي الربيع سليمان الدلاصي. حدث عن ابن خطيب المزة، وجاوز الثمانين.
ومات بدمشق القاضي شهاب الدين أحمد بن سيدهم بن البيع المالكي. سمع بالإسكندرية من محيي الدين بن جماعة، وناب في الحكم بدمشق عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي، وحكم بعده نيابة الإمام فخر الدين الزواوي شيخنا.
ومات بالقاهرة المسند ناصر الدين محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب الصوفي المعروف بابن ملوك، عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز الحراني، وابن الأنماطي، وابن خطيب المزة، وغازي وطائفة، وتفرد.
ومات العلامة شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدايم الحلبي، عرف بابن السمين. سمع بآخره من يونس الدبوسي، وقرأ على ابن الصايغ. وعمل تفسير القرآن في عشرين سفرا، والإعراب وله شروح على كتب أخر، توفي بالقاهرة في شعبان.


سنة سبع وخمسين وسبعمائة
وفي رابع ربيع الآخر هبت ريح من جهة الغرب، وامتدت من مصر إلى الشام في يوم وليلة، فغرق ببولاق نحو ثلاثمائة مركب واقتلعت من النخيل والجميز ببلاد مصر وبلبيس وغيرها شيئا كثيرا، فكانت آية.
وفيها أفرج عن الأمير سيف الدين أرغون الكاملي من الإسكندرية، وأقام بالقدس.
وفيها احترقت القيسارية خارج باب الفرج وما حولها من الحوانيت فكانت جملة الحوانيت المحترقة نحو سبعمائة حانوت سوى البيوت، وعدم الناس فيها ما لا يحصى.
وفيها احترق سوق الصالحية عن آخره.
وفيها غارت الفرنج ومن تبعهم من المسلمين العجز المتحربين في السواحل، واستباحوا بلد صيدا، وآياس، وغير ذلك من البلاد الساحلية.
ومات بدمشق في شوال المعمر ناصر الدين محمد بن محمد بن أبي القاسم شاهد القيمة المعروف بابن الدجاجية حدثنا عن الأبرقوهي.
ومات بحلب قاضيها الفقيه نجم الدين محمد بن عثمان بن أحمد بن عمرو الزرعي الشافعي ابن شمرنوح.
ومات بالقاهرة العدل الكبير شهاب الدين أحمد بن الحسن بن الفرات الشروطي. حدث عن الدمياطي، والرضي الطبري وطائفة.
ومات الإمام كمال الدين أحمد ابن العلامة عز الدين عمر بن أحمد بن مهدي النشائي خطيب الجامع الخطيري ومدرسه. حدث عن الدمياطي وغيره. وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطباق، وصنف، وأفاد.
ومات بدمشق صفي الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان ابن الحريري الحنفي مدرس الصادرية. وكان مغفلا يحكى عنه نوادر رحمه الله.
ومات ببغداد حاكمها وسلطانها الشيخ حسن بن آقبغا الكبير ابن القان أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاكو المغلي. وكانت دولته نحوا من عشرين سنة كأبيه. وكان أحد أئمة العدل. وولي بعده ابنه أويس.
ومات الأمير فواز بن الملك مهنا الطائي أحد الشجعان.
ومات بدمشق الأمير الكبير بدر الدين بكتاش المنكورسي الظاهري نائب بعلبك، كان، عن سن عالية.
ومات بالقاهرة شيخنا السيد الشريف شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن الحسين الحسيني الأرموي ثم المصري الشافعي، نقيب العلويين، ووكيل بيت المال، وقاضي العساكر. حدث عن ست الوزراء، ودرس بمشهد الحسين، وكان من سروات الناس، رحمه الله.
ومات بدمشق المعمر الصالح الثقة عز الدين أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي، عن سبع وسبعين سنة. حدث بالمسند، والصحيحين، والسنن الكبير للبيهقي، مسند الطيالسي، ومسند الحميدي. وشيئا كثيرا، وتفرد. توفي في جمادى الآخرة.
ومات في رجب الشيخ الرئيس يوسف بن الديان عبد السيد بن المهذب الإسرائيلي المتطبب. سمع في يهوديته من الشمس بن مؤمن، وحدثنا عنه في الإسلام.
ومات الإمام العالم أقضى القضاة فخر الدين محمد بن مسعود بن سليمان بن سومر الزواوي المالكي. حدث عن ست الوزراء، وكان من قضاة العدل. توفي في ذي الحجة، وناب بعده صاحبنا القاضي أمين الدين أبو حيان.
ومات في شهريذ المعمر سيف الدين أبو بكر بن رمضان الشروطي عن سن عالية. حدث عن ابن النشبي وابن علان، وهو خاتمة أصحاب الخشوعي، يعنى بالسماع.
ومات المعمر الفاضل محيي الدين يحيى بن علي بن مجلى الحنفي، المعروف بابن الحداد، خاتمة أصحاب الشيخ محيي الدين النووي. حدثنا عن ابن البخاري.
ومات بالصالحية شيخنا التقي عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن ابن الناصح الحنبلي، والد المفتي شمس الدين بن الناصح. حدثنا عن الفخر أيضا.


سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
وفي شعبان وثب بعض الجند على الأمير سيف الدين شيخون الناصري فضربه بوجهه بحضرة السلطان والأمراء بالقصر، وحصل بذلك خبطة، وكادت تثور فتن، فحمل إلى منزله مجروحا فخاطوه وتعلل منها أياما، ومات في العشر الآخر من ذي القعدة. وكان ذا حزم، وعزم، وعقل، ومهابة، وسياسة، وآثار حسنة، وكان فيه صدقة، وبر، وسكون، وقضاء حوائج الناس.
ومات بالقاهرة شيخنا الرئيس النبيل علاء الدين علي بن أحمد بن أسد الحنفي ابن الأطروش محتسب القاهرة. حدث عن الأبرقوهي. وولي حسبة دمشق أيضا. وكانت فيه شهامة، وقوة نفس، وإقدام، وبعض علم.
ومات الحافظ المفيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد بن المظفر بن النابلسي سبط الزين خالد، ولد سنة خمس وسبعين في رمضان، وسمع زينب بنت مكي، وابن الواسطي، وخلق، ورحل، وقرأ، وكتب، وعني بهذا الشأن. وولي مشيخة العزية وغيرها. توفي في ربيع الأول بدمشق، وكان من أئمة هذا الشأن.
ومات الإمام العلامة قاضي القضاة نجم الدين إبراهيم بن قاضي القضاة عماد الدين علي بن الطرسوسي الحنفي. ولد بالمزة، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه والأصول، ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، مع الديانة، والصيانة، والتعفف، والمهابة. ناب في الحكم عن والده ثم ولي استقلالا بعده. وحدث عن ابن الشيرازي، وغيره. توفي في شعبان، وولي بعده نائبه القاضي شرف الدين الكفري.
ومات بظاهر دمشق الشيخ الصالح المعمر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرداوي ثم الصالحي، المعروف بالحريري، عن نحو ست وتسعين سنة. حدث عن الكرماني، والشيخ، والفخر وطائفة. وهو آخر من حدث عن ابن عبد الدايم، والنجيب عبد اللطيف، وابن علان، وابن أبي اليسر، وهذه الطبقة بالإجازة في الدنيا. وتوفي في شعبان.
ومات بالقدس الأمير الكبير العادل سيف الدين أرغون الكاملي نائب دمشق وحلب، وكان رجلا حازما عادلا، له فهم ومعرفة على صغر سنه. توفي في شوال، ودفن بتربته بالقدس رحمه الله.
ومات بالقاهرة الشيخ قوام الدين لطف الله الحنفي، أحد الدهاة. وقد ولي مشيخة الظاهرية بدمشق أياما.
ومات المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن رمضان الجزري الأصل الدمشقي الحنبلي إمام مسجد الجزيرة. ولد سنة تسع وستين وستمائة. وحضر الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وسمع من غيره. وتوفي بدمشق في ثاني ذي الحجة.


سنة تسع وخمسين وسبعمائة
فيها عاثت الفرنج بأطراف السواحل، وقصدتهم العساكر، وثارت العربان، وقطعوا السبل، وقام العشير في النواحي، واشتد وتفاقم أمره ببلاد حوران، وتزايد واستمر أياما، فجهزت إليهم العساكر فخمدوا، بعد أن أفنى بعضهم بعضا واغتيل مقدمهم، الشهاب أحمد بن البسرية بزرع.
ولما مات الأمير شيخون في العام الماضي استقل السلطان الملك الناصر بالأمور، وقام بسياسة الملك وتدبير الممالك الأمير سيف الدين صرغتمش، وخلا له الجو وترحل عنه فيالة الأمير شيخون، فقبض على الأمير تقطاي الدوادار وجماعة من بطانة الأمير شيخون، وأرسل إلى نائب دمشق الأمير علاء الدين المارداني خلعة وتقليدا بالاستمرار، وإلى غيره من النواب، واستدعى الأمير سيف الدين طاز نائب حلب إلى مصر، فخرج من حلب وتوجهت إليه العساكر، ثم خرج إليه نائب دمشق فعسكر بخان لاجين، وآخر الأمر أن الأمير طاز استسلم وسلم نفسه فقبض عليه نائب الشام وأرسل به فاعتقل بالكرك، ونقل سيف الدين منجك من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، وقبض على حاجب دمشق الإسماعيلي، واعتقل بقلعة صرخد ثم أفرج عنه، وقدم دمشق متوجها إلى القاهرة فاعتقل بقلعة دمشق أياما ثم أفرج عنه بعد كشف وتعنت، ومضى إلى القاهرة ثم رجع على حجوبيته وعادته فبقي إلى ذي الحجة ثم أخرج إلى حماة فاعتقل بها.
وفي يوم السبت خامس عشرين جمادى الأولى. صرف الأمير علاء الدين المارديني عن نيابة دمشق إلى نيابة حلب، وقدم الأمير سيف الدين منجك من حلب على نيابة دمشق، فدخلها يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة، وباشر نظر ديوانه شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل.
وفي العشر الآخر من رجب توجه شيخنا الإمام صلاح الدين الصفدي إلى حلب على كتابة السر بها.
وفيه صرف شيخنا قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن قضاء الشافعية بمصر، ثم أعيد بعد شهرين.
وفي العشر الآخر من شعبان صرف قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي، وقاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي، وقاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي عن القضاء بدمشق.
وولي قضاء الشافعية، قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء. وقضاء الحنفية، قاضي القضاة جمال الدين محمود بن السراج، فحكما نحوا من ثلاثين يوما، ثم صرفا في أول شوال، وأعيد قاضي القضاة تاج الدين السبكي، وقاضي القضاة شرف الدين الكفري وخلع عليهما يوم الاثنين خامس شوال.
وفي يوم الأربعاء ثاني رمضان قدم شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين العراقي من القاهرة على قضاء المالكية بدمشق، عوضا عن القاضي جمال الدين المسلاتي، ثم من الغد قدم القاضي أمين الدين بن عبد الحق على حسبة دمشق عوضا عن علاء الدين الأنصاري، وكانت هذه التنقلات بأسرها صادرة عن رأي صرغتمش.
وفي رمضان قبض على الأمير سيف الدين صرغتمش الناصري، وعلى القاضي ضياء الدين محمد بن خطيب بيت الآبار، فصودر الضياء، وأهين، واعتقل بقوص، وخفي أمر صرغتمش وزالت نعمته، وخمدت كلمته بحول الله وقوته.
وفي ذي القعدة قبض إلى الأمير ناصر الدين محمد بن الأقوش نائب حمص وعلى أخويه سيف الدين كجك الحاجب، وأمير حاج، فأدوا في المصادرة نحو ثلاثمائة ألف درهم، ثم أفرج عنهم وفرقوا في البلاد.
وفي ذي الحجة صرف ابن عبد الحق من حسبة دمشق، ووليها شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.
وفي سادسه قبض على أسندمر العمري نائب حماة كان، واعتقل بقلعة دمشق.
وفي صبيحة يوم عرفة صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة دمشق إلى نيابة صفد.
وقدم الأمير شهاب الدين أحمد بن صالح حاجبا إلى دمشق عوضا عن الإسماعيلي.
ومات القاضي الكبير الصدر الرئيس النبيل شرف الدين خالد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله القيسراني أحد الموقعين. حدثنا عن القاسم ابن عساكر، وغيره. وقد كان ولي وكالة بيت المال بدمشق في أيام الفخري. توفي في ثاني جمادى الآخرة.
وفيها مات صاحب بلاد المغرب السلطان أبو عنان ابن السلطان أبي الحسن المريني.
ومات بدمشق الحافظ شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن سعد المقدسي ثم الصالحي الحنبلي. ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع أباه، والقاضي، وعيسى، وخلقا كثيرا وجما غفيرا، وجمع فأوعى، وكتب ما لا يحصى، وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه. توفي في ثالث ذي القعدة.
ومات الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داوود الكردي الشافعي إمام مشهد علي. حدث عن التقي بن الواسطي، وغيره. وتوفي في تاسع ذي القعدة.
ومات في سادس عشرينه شيخنا الزاهد بهاء الدين محمد بن أحمد بن المرجاني صاحب جامع المزة وغيره من المآثر الحسنة. حدث عن ابن مؤمن وغيره.
ومات المقرئ المعمر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بالحفيفة عن سن عالية. حدث بمشيخة الفخر عنه، وأقرأ خلقا بالجامع المظفري رحمه الله.


سنة ستين وسبعمائة
في يوم الأربعاء ثاني المحرم دخل الأمير علاء الدين المارداني إلى دمشق على نيابتها، قدمها من حلب فأقام إلى ثاني عشرين رجب. فقبض عليه وتوجهوا به إلى القاهرة، فأعيد من الطريق إلى نيابة صفد. وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين أسندمر الزيني أخو يلبغا اليحياوي فدخلها يوم الاثنين حادي عشر شعبان.
وفي سادس صفر قدم الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي من مصر إلى دمشق، يتقدمه ألف فارس وولده بطبلخاناه، وأضيف إليه عدة جهات، وحجوبية الحجاب.
ثم في جمادى الأولى، رسم بتحويله من الوقوف بسوق الخيل تجاه النائب، فركب إلى جانبه فوق الأمراء، وورمت لذلك أنوف.
وفي ليلة سادس صفر قبض على الأمير شهاب الدين بن صبح الحاجب، واعتقل هو وأولاده بقلعة دمشق، ثم نقل هو إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية.
وفي العشر الأول من صفر صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة صفد، وأخذ إلى القاهرة فانفلت منهم بقرب غزة ومضى لسبيله، فلم يوقع له على خبر، وأوذي بسببه خلق وجرى لأهل القدس أمور.
وفي ثالث عشر صفر قدم الأمير سيف الدين آقطمر بن عبد الله بن عبد الغني نائب طرابلس إلى دمشق واعتقل بالقلعة مقيدا ثم أخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية.
وفيه حضر الإسماعيلي من حماة واعتقل بقلعة دمشق، ثم أخذ فأودع الإسكندرية.
وفي يوم الأحد رابع ربيع الأول، صرف قاضي القضاة شرف الدين بن العراقي عن قضاء المالكية بدمشق، وأعيد قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي.
وفيه صرف القاضي ناصر الدين محمد بن الشرف يعقوب الحلبي من كتابة السر بدمشق، ومشيخة الشيوخ إلى كتابة سر حلب.
وولي بعده السر بدمشق شيخنا وكيل بيت المال القاضي أمين الدينمحمد بن أحمد بن القلانسي مع تدريس الناصرية، والشامية الجوانية، ومشيخة الشيوخ.
وفيه قدم المعين ابن الكريدي المستوفي من القاهرة بتذكرة سلطانية بإهدار المتأخرات الديوانية جميعها إلى آخر العام الماضي، واستقرار الرواتب الدرهم ثلث، والجوامك الدرهم ثلثا درهم.
وفي مستهل ربيع الآخر، قدم القاضي صلاح الدين الصفدي من كتابة سر حلب على وكالة بيت المال بدمشق وتوقيع الدست، عوضا عن القاضي أمين الدين بن القلانسي.
وفيه قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من القاهرة، وكان توجه إليها في الشهر الماضي ومعه ابن عمه القاضي بدر الدين محمد أبي الفتح، فأكرمه السلطان ورتب له معلوما على الإفتاء بمدرسته التي أنشأها بالقاهرة.
وفي رجب قبض على الأمير قطليجا الدوادار، وطيبغا حاجي، وأيدغمش، واعتقلوا بقلعة دمشق ثم فرقوهم في البلاد وأخرج ألدمر السليماني الذي كان حاجبا إلى طرابلس.
وفي ليلة نصف شعبان أخرج قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي إلى طرابلس.
وفي ليلة حادي عشرينه، قدم الأمير شهاب الدين أحمد بن القيمري من حلب إلى دمشق أمير حاجب عوضا عن الأمير سيف الدين بيدمر، ونقل بيدمر إلى حلب لنيابتها.
وفي ليلة الجمعة عاشر ربيع الأول، مات شيخنا الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي بكر بن بحتر بن خولان الصالحي الحنفي مدرس الميطورية، وخطيب القلعة، ولد سنة أربع وثمانين وستمائة. حضر ابن البخاري، وزينب بنت العلم. وولي العقود، وتوفي في عشر ربيع الأول.
ومات القاضي الرئيس الصدر الكبير علم الدين محمد بن القطب أحمد بن مفضل بن فضل الله المستوفي، ناظر الجيش بدمشق. وكان وجيه الشام في وقته. ولي كتابة السر بدمشق في الدولة الناصرية، ثم نظر الدواوين ثم نظر الجيوش. وسمع من القاضي تقي الدين سليمان، وعيسى المطعم وطائفة. توفي في ثاني جمادى الأولى. وولي بعده نظر الجيش نائبه القاضي علم الدين داوود الإسرائيلي فلبس يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة.
ومات شيخنا الزاهد أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الزهر الغسولي ثم الصالحي. جاوز الثمانين، وحدث بمشيخة الفخر عنه. توفي في جمادى الأولى.
ومات بمكة قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد ابن القاضي الإمام الأريب نجم الدين محمد بن جمال الدين محمد بن الحافظ محب الدين الطبري الآملي. توفي في العشر الآخر من شعبان.
ومات بدمشق المعمر الصالح أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الفقيه عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل الله المقدسي، ثم الصالحي الحنبلي. حدث عن ابن البخاري، وابن الواسطي، وجماعة. وولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين، وتوفي في ذي القعدة.
ومات في ذي الحجة الأمير صفي الدين البصراوي بالقدس ناظر الحرم.
ومات بحلب شيخنا جمال الدين إبراهيم بن القاضي الإمام شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي. حدثنا عن الأبرقوهي وغيره.
ومات بدمشق المعمر صلاح الدين محمد بن أحمد بن أفتكين كبير شهود القيمة.


سنة إحدى وستين وسبعمائة
في سادس عشرين المحرم ظهر الأمير سيف الدين منجك الذي كان تسحب في صفر من العام الماضي وأخذ من الشرف الأعلى ظاهر دمشق ونفذ إلى القاهرة، فعاتبه السلطان على فعله ثم من عليه وأطلقه، وكتب له طرخانا يقيم حيث شاء وأقطعه إقطاعا وأقام بالقدس.
وفي صفر صرف الأمير علاء الدين المارداني من نيابة صفد واستقر على نيابة حماة.
وفي ربيع الأول قبض على شيخنا المعلم سنجر الهلالي وأخذ منه أزيد من ألف ألف درهم؛ بسبب ما نقل عنه من عدم أداء الزكاة والتكسب الفاحش على الأمراء، ثم احتيط على حججه وأملاكه وحواصله، فكانت أزيد من ثلاثة آلاف ألف درهم، ثم سلموها إليه بعد مدة. وأخذ من ابنه شمس الدين محمد بن الصايغ تربته التي كان أنشأها بباب الجامع.
وفي ربيع الآخر قبض على الصاحب شمس الدين موسى ناظر الدواوين بالشام، وعلى المستوفي، وخلق من الدواوين، وأخذ منهم أزيد من ستمائة ألف درهم، بعد الضرب والإهانة، وجرت أمور، وهج خلق على وجوههم خوف المصادرة.
وفي جمادى الأولى طلب من التجار أموال بسبب القنود، فشق ذلك على الناس، وهمّ أكثر التجار وأصحاب الأموال بالجلاء عن دمشق. واستمر الخوف بسبب ذلك نحو خمسة عشر يوما، ثم أفرج عنهم إلا قليلا من أصحاب المعاملات فإنهم وزنوا من ذلك جملة.
وفي العشر الأوسط من جمادى الأولى، قدم الوزير فخر الدين فخر الدولة بن قروينة على نظر الدواوين بالشام عوضا عن الصاحب شمس الدين.
وفي جمادى الآخرة توجهت العساكر الحلبية مع نائبهم الأمير سيف الدين بيدمر إلى جهة سيس، فافتتحوا عدة قلاع وحصون.
وفي صفر قدم قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي من طرابلس إلى دمشق على جهاته.
وفي ثاني عشرينه ولي القاضي جمال الدين أحمد بن الرهاوي نظر الجامع الأموي عوضا عن الصاحب تقي الدين ابن مراجل بحكم إقامته على نظر الإسكندرية، ثم قدم في العشر الأخر من ربيع الأول على وظيفة نظر الجامع على عادته، وصرف ابن الرهاوي.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرين رجب، قبض على الأمير سيف الدين أسندمر نائب دمشق وأقام بطرابلس، وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي فدخلها من حلب يوم السبت تاسع عشر شعبان.
وفي رمضان توجه الأمير شهاب الدين أحمد بن القيمري، حاجب دمشق إلى حلب على نيابتها، واستقر عوضه حاجبا اليوسفي.
وفي رمضان قتل مرزوق الصفدي النصيري على الزندقة والتعرض إلى النبي ﷺ.
وفي ذي الحجة موافقة لتشرين الأول، أرسل بعامة بلاد الشام رعد عظيم وبرق وصواعق، وأمطرت السماء مطرا عظيما، وسقط برد في بعض الأماكن نحو البيض وما دونه، وهلك من ذلك خلق من السيول، وأبيدت كروم كثيرة، واستمرت المياه متغيرة نحو شهر.
وفي ثالث المحرم مات شيخنا الإمام العلامة بقية الحفاظ صلاح الدين أبو سعيد خليل ابن كيكلدي العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، مدرس المدرسة الصلاحية وغيرها بالقدس عن سبع وستين سنة. حدث عن القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي وطبقته فأكثر. وكان إماما في الفقه، والنحو، والأصول، مفتنا في علوم الحديث ومعرفة الرجال، علامة في معرفة المتون والأسانيد، فمصنفاته تنبئ عن إمامته في كل فن. توفي ببيت المقدس. وولي بعده تدريس الصلاحية الخطيب برهان الدين إبراهيم بن جماعة. ومشيخة التنكرية شهاب الدين أبو محمود.
ومات الشيخ المعمر الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بابن قيم الضيائية عن نحو تسعين سنة. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، وجماعة. وتفرد. توفي في المحرم.
ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يونس القواس الدمشقي. صحب ابن هود في وقت ثم هاجر، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية. وحدث عن ابن البخاري وغيره. ونعم الرجل كان.
ومات بالقاهرة الإمام العلامة شيخ الأدب جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن هشام النحوي الحنبلي، صاحب كتاب المغني في النحو، عن بضع وخمسين سنة. توفي في ذي القعدة.
ومات المعمر مظفر الدين محمد بن محمد بن يحيى بن عبد الكريم العسقلاني، خاتمة أصحاب العز الحراني، حضر عليه في الرابعة سنة أربع وثمانين. توفي بالقاهرة.
ومات في شعبان القاضي الإمام فخر الدين محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن الحارث بن مسكين القرشي الزهري، نائب الحكم بمصر والقاهرة، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث عن الشهاب القرافي ببعض تصانيفه، وعن عبد الرحيم الدميري وغيرهما. وأجاز له الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، والعز الحراني، وخلق نحو الألف.
ومات الشيخ رضي الدين الحسين بن عبد المؤمن بن علي بن معاذ الموحدي، سبط المجد الطبري. حدث عن الأبرقوهي، والدمياطي وعدة. وتفرد عن جده. توفي في صفر.
ومات الإمام نجم الدين أيوب بن موسى بن عباس الراشدي الشافعي مدرس القوصية بالقاهرة. حدث عن الشريف عز الدين وغيره. توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين.
ومات بمكة الإمام جمال الدين يوسف بن الحسن بن علي الحنفي. حدث عن الفخر التوزري وغيره. مات في صفر.
وفي هذا العام أنشئت الخانقاه الكججانية بالشرف الأعلى جوار الطواويس ظاهر دمشق.


سنة اثنتين وستين وسبعمائة
لما تمهد للسلطان الملك الناصر أمره ولم يبق في مملكته من يخشى شره، وغرته الآمال بجمع الأموال نادى عليه لسان الحال، وعند التناهي يقصر المتطاول. فتخلى حينئذ عن أمر مملكته، وشغلته دنياه عن القيام بمصالح رعيته، فمقتته القلوب، وتوجهت عليه إلى علام الغيوب، وفوقوا نحوه سهام الليالي، ومرغوا بخالص التأله غرر الجباه في ظلم الدياجي، فنفذت فيه سهام الأقدار، لما صاح عليه مؤذن غروره بانصرام أيامه، وخلوه بما أوعاه من جرائمه وآثامه، وقبض عليه كبير بطانته، وضرغام دولته، ونظام مملكته، الأمير سيف الدين يلبغا الناصري ضاعف الله أجوره، وأقام ابن أخيه السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، وحلفت له الأمراء، وجلس على كرسي الملك يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى، وأخذ الناصر فعذب حتى هلك بعد أيام، وكانت دولته في الكرة الثانية ست سنين وسبعة أشهر. ولما وصل الخبر إلى دمشق بذلك، وحلفت الأمراء ونودي في دمشق بالعدل وإزالة المظالم، تنمر لذلك نائب الشام الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وكان في أنفس المصريين منه بعض ما فيها لتوجهه عند الناصر. وأخرج من القاهرة إلى الشام على نيابة طرابلس الأمير سيف الدين تومان تمر، الذي كان ثالث الأمراء في المشورة، ونقل تمر المهمندار من نيابة غزة إلى دمشق حاجبا، ثم مات في شوال عن سن عالية، وأفرج عمن كان اعتقلهم الناصر بالإسكندرية من الأمراء وهم: الأمير شهاب الدين بن صبح نائب صفد، وسيف الدين طنيرق في نيابة حماة، وآقطمر عبد الغني نائب طرابلس، وطيدمر الإسماعيلي حاجب دمشق في آخرين. وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى القدس، وقد كان اعتقله الناصر بالكرك ثم أكحله، ثم قدم دمشق في ذي الحجة.
وفي العشر الأوسط من ذي الحجة، تغلب الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق عليها، وأنفق على رجال القلعة بعد موت نائبها برتاق وحلفهم على السمع والطاعة والقيام معه في مصالح المسلمين، ثم حلف أمراء دمشق على نحو ذلك، وقد كان حضر من طرابلس إلى دمشق الأمير سيف الدين أسندمر - الذي كان نائبا في العام الماضي - فحلف مع الأمراء ثم راسلوا النواب بذلك، فكتب إليهم منجك من القدس بموافقتهم والقيام معهم، وأنهم ليسوا براضين بالطاعة ليلبغا الناصري لأنه قتل الناصر ظلما بزعمهم فجعلوها عثمانية وعملوا بذلك محاضر وشقوا العصا ونصبوا راية الخلاف، ثم حضر إلى دمشق الأمير سيف الدين تومان تمر نائب طرابلس في عاشر رمضان ونزل القصر الظاهري، وقد كان نائب الشام في الشهر الماضي أخرج رجال القلعة المستقرين، وأقام بها جماعة من ذويه، وكان بها لبيت المال نحو أربعمائة ألف درهم، فحازها واستخرج الأموال الديوانية، وتعجل من الذمة جزية العام الآتي، ونقل إلى القلعة من الغلال، والطعم، والقديد، والعدد، والآلات ما لا يوصف كثرة، ونصب عليها المجانيق ثم حلف الأمراء ثانيا وأعطاهم ووعدهم ومناهم.
ولما قدم عليه نائب طرابلس وجاءته مكاتبة منجك وانضم إليه أمراء الشام وتوثق لنفسه، جهز العساكر الشامية فخرجوا أرسالا إلى جهة غزة ليحفظوا له ذلك الثغر من جهة المصريين، ثم خرج هو بمن بقي من الأمراء بعد صلاة الجمعة ثاني عشر رمضان، وخرج معه بالقضاة والموقعين، فوصلوا إلى قريب الصنمين. فلما كان الليل جاءهم الخبر أن بعض الأمراء خالفهم وأنهم اقتتلوا ونهبتهم العرب بقرب غزة، فكر راجعا بمن معه ولحقهم منجك في أواخر النهار، فباتوا ليلتئذ، وأصبح نائب طرابلس وخلق من أمراء دمشق لا حس لهم ولا خبر، فخارت قوى نائب الشام وسقط في يده، وشرع أصحابه في التفرق عنه، فلما لاحت أمارات الكسرة وإشارات الخذلان، ولم يبق ممن كان معه ممن العمدة عليه سوى منجك وأسندمر وجبرائيل حاجبه، ومعهم دون المائتي نفس، وخرج المصريون في خدمة السلطان والخليفة المعتضد والعساكر فوصلوا إلى منزلة الكسوة في رابع عشرين رمضان، فتحصن إذ ذاك نائب دمشق ومن معه بالقلعة وغلقت أبواب البلد، وأشرف الناس على خطة صعبة وتأهبوا للحصار، وأصبح الأمراء يوم الخميس بدمشق لابسين آله الحرب، فقطعوا الأنهر الداخلة إلى القلعة، فقلق الناس لذلك وخافوا الهلكة، فلما كان من الغد وقت صلاة الجمعة فتحت أبواب البلد واستبشر الناس بذلك، وأصبح السلطان نزل المخيم ظاهر دمشق ومعه العساكر والأمير علاء الدين المارداني - الذي كان نائب حماة - بخلعة نيابة دمشق وهذه النيابة الثالثة، وشرعوا في مراسلة الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق ومن معه فأجابوا إلى الصلح بعد محاورة طويلة، ودخل قضاة الشام بينهم في ذلك، فنزلوا من القلعة بالأمان ليلة الاثنين تاسع عشرين رمضان، وكان عند الناس من السرور بذلك أعظم من سرورهم بهلال العيد، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا، فلما نزل نائب دمشق، وأسندمر، ومنجك، وجبرائيل، إلى وطاق الأمير سيف الدين يلبغا أمر بتقييدهم فقيدوا وأخذوا إلى القصر الظاهري محتفظا عليهم، ودخلت العساكر المصرية والشامية وعيدوا بدمشق آمنين. ودخل السلطان القلعة فأقاموا إلى عاشر شوال ثم ترحلوا، وقد كان في خلال هذه الأيام قصد جماعة من الخدام بالقاهرة إقامة الأمير حسين بن الملك الناصر محمد في الملك، فتفطن لهم بعض الأمراء هناك فعاجلوهم ولم يتم أمرهم، ولما حل الركاب السلطاني الملكي المنصوري بدمشق أمر بقبض جماعة من الأمراء الشاميين فقبض عليهم وأودعوا القلعة، ثم خرجوا ببعضهم معهم إلى القاهرة، واستقر على نيابة الشام الأمير علاء الدين المارداني عوضا عن بيدمر، وطيزق على نيابة حماة، وسيف الدين الأحمدي على نيابة حلب عوضا عن ابن القيمري، وتومان تمر على نيابة حمص، وملكتمر المحمدي على طرابلس، وزين الدين زبالة الفرقاني على نيابة القلعة، واستقر في كتابة السر بدمشق. ومشيخة الشيوخ بها القاضي ناصر الدين محمد بن شرف الدين يعقوب الحلبي عوضا عن القاضي أمين الدين ابن القلانسي، وقبض على ابن القلانسي، وصودر فأدى في المصادرة نحو المائتي ألف درهم.
واستقر علاء الدين الأنصاري على حسبة دمشق عوضا عن عماد الدين بن الشيرجي، وعلى نظر الدواوين بالشام الصاحب تاج الدين موسى بن شاكر المصري عوضا عن الصاحب فخر الدين ناظر قطيا، وقد كان الوزير فخر الدين ابن قروينة القبطي نقل من وزارة الشام في ربيع الأول إلى القاهرة وزيرا، وولي عوضه نظر الشام الصاحب فخر الدين ناظر قطيا المذكور.
وفي شوال درس القاضي ولي الدين عبد الله بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي بالأتابكية والرواحية والقيمرية عوضا عن والده المذكور.
وفي ذي القعدة ولي القاضي الإمام بدر الدين محمد بن أبي الفتح السبكي قضاء العساكر بدمشق.
وفي هذا العام توجه العسكر الشامي إلى ملطية فتسلموها، وأقيم بها نائب لصاحب مصر.
ومات في المحرم الشيخ الزاهد المعمر أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الحنبلي. أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية، قدس الله روحه، دهرا، وتفقه به. وكان فيه إقدام على الملوك، وأبطل مظالم.
ومات بالقاهرة الحجيج المعمار الصالحي.
ومات بحلب السيد الشريف النبيل علاء الدين محمد بن علي بن حمزة بن زهرة نقيب العلويين بحلب، وكان فيه تشيع ظاهر.
ومات بالصالحية المعمر أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن خليل، الأعزازي عن سن عالية. حدث عن ابن البخاري.
ومات بالمارستان المنصوري بالقاهرة المحتسب علاء الدين علي بن شعيا السيف أبي بكر ابن السيف الحراني. ولي حسبة دمشق مرتين ثم عزل. ومات غريبا.
ومات ببلبيس السيد الشريف كمال الدين محمد بن شرف الدين أحمد بن يعقوب بن فضل بن طرخان الجعفري الزينبي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وطلب وسمع، وكتب الطباق، وباشر المدارس، ثم تخلى ولزم كتابة التوقيع بدمشق. ونقل إلى غزة وخطب بها ثم عزل، ودخل القاهرة فتعلل بها. ومات في ربيع الأول عن بضع وخمسين سنة.
ومات بدمشق الكاتب المجود شمس الدين محمد بن الوزان. حدث عن القاسم بن عساكر. وكتب بخطه المنسوب عدة مصاحف وغيرهما.
ومات الصدر الكبير عماد الدين محمد بن محمد بن أحمد بن الزملكاني الدمشقي ناظر السبع الكبير وجامعه عن نحو سبعين سنة. حدثنا عن الأبرقوهي وعدة. وانتقى عليه البرزالي جزءا من عواليه.


سنة ثلاث وستين وسبعمائة
استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي ابن محمد بن قلاوون، ونائبه بدمشق الأمير علاء الدين المارداني.
وفي صفر منها قدم الإمام قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن محمد الدميري على قضاء المالكية بحلب عوضا عن ابن الرياحي.
وفيه ولي القاضي أمين الدين بن وهبان قضاء الحنفية بحماة.
وفيه توفي بدمشق الإمام علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن سعيد الأنصاري محتسب دمشق، ومدرس الأمنية. توفي عن بضع وأربعين سنة. ودرس بعده بالأمينية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله. وأعيدت الحسبة إلى شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.
ومات بالقاهرة قاضي القضاة تاج الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن الإخنائي المالكي قاضي المالكية. وولي عوضه أخوه القاضي برهان الدين.
وفي شهر ربيع الأول صرف الصاحب تاج الدين عن نظر الدواوين بالشام. وولي الصاحب بدر الدين حسن بن النابلسي فدخل دمشق في ثاني عشرينه.
وفيه توفي بالقاهرة المحدث الإمام شمس الدين محمد بن علي بن عبد الواحد النقاش.
ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل أمين الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن نصر الله التميمي الدمشقي بن القلانسي. ولد سنة إحدى وسبعمائة. وأجاز له الحافظ شرف الدين الدمياطي وعدة. وحدث عن إسماعيل بن مكتوم، وعيسى المطعم، وست الوزراء وغيرهم. وولي قضاء العساكر بدمشق، ووكالة بيت المال مرات، ودرس بالعصرونية. ثم ولي كتابة السر عوضا عن القاضي ناصر الدين بن شرف الدين يعقوب الحلبي، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الناصرية والشامية والجوانية. ثم عزل في العام الماضي وأوذي وأدى في المصادرة جملة. وتوفي في ربيع الآخر.
ومات الشيخ الصالح الزاهد العابد الناسك فتح الدين يحيى بن الإمام زين الدين عبد الله بن مروان الفارقي الأصل، الدمشقي الشافعي، خازن الأثر الشريف، وإمام الدار الأشرفية. ولد سنة اثنتين وسبعين. وسمع الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وكان آخر أصحابه. وسمع الفخر، وابن شيبان، وخلقا. وحدث باليسير من مسموعاته تورعا. وكان ذا زهد وورع ثخين، ويقنع باليسير. لم يقيض لي السماع منه. توفي في سادس عشرين ربيع الآخر.
ومات بالقاهرة خليفة الوقت الإمام أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر المستكفي ابن الحاكم العباسي. وكانت خلافته نحوا من عشر سنين. توفي في جمادى الأولى. وبويع لابنه المتوكل على الله حمزة بعهد من أبيه.
ومات بدمشق الزاهد عبد النور بن علي المغربي المكناسي المالكي المقرئ الصوفي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وخطب بالشامية أياما، وكان عبدا صالحا زاهدا متعبدا. توفي في جمادى الأولى.
وفي تاسع جمادى الأولى ولي قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين الكفري قضاء الحنفية عوضا عن والده، واستناب القاضي بدر الدين الجواشني، والقاضي شمس الدين بن منصور.
وفي رجب أفرج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية فأخرج الأمير سيف الدين بيدمر إلى صفد، وسيف الدين أسندمر إلى طرابلس، ومنجك إلى أرض الحجاز، وجبريل إلى حماة، وكذلك أفرج عن الأمراء المعتقلين بقلعة دمشق.
وفيه مات بالصالحية القاضي الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي ثم الصالحي الحنبلي عن إحدى وخمسين سنة. أفتى، ودرس، وناظر، وصنف، وأفاد، وناب في الحكم عن حموه قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين. حدث عن عيسى المطعم وغيره.
وفي يوم الاثنين خامس شعبان، عزل عن نيابة دمشق المقر العالي أمير علي المارديني، وعزل عن قضائها سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي كلاهما في مجلس واحد.
وولي نيابة الشام الأمير سيف الدين قشتمر نائب السلطنة بمصر، كان، فدخل دمشق يوم السبت مستهل رمضان، وأحضر سيدنا الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين السبكي وألزم بقضاء الشام عوضا عن أخيه، وطلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله تعالى إلى الأبواب الشريفة على البريد على وظائف أخيه الشيخ بهاء الدين، وهي تدريس الشافعي والخطابة والميعاد بالجامع الطولوني، وتدريس الشيخونية، وفتيا دار العدل، مضافا إلى ما بيده بدمشق من التداريس التي لا تتعلق بالقضاء وهي، تدريس الشامية البرانية، والعذراوية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، فأقام بمصر على هذا الحكم، واستناب بمدارسه التي في دمشق بإذن السلطان له في ذلك. وقدم أخوه سيدنا الشيخ بهاء الدين المذكور إلى دمشق فدخلها آخر نهار الثلاثاء رابع شهر رمضان ونزل بالمدرسة الركنية، واستمر على القضاء وتدريس الغزالية، والعادلية، ونظر الأوقاف.
وفي رمضان توفي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن القماح الشافعي شابا لم يبلغ الأربعين. كان متضلعا بالعلوم، من دينة الفقهاء.
وفي ذي القعدة تعرضت الفرنج المتحرمون إلى بعض السواحل، فقبض على كبارهم بدمشق، واعتقلوا، وختم على حواصلهم.
وفيه ثارت العربان بالأطراف وقطعوا السبل، فقدم الأمير صولة ابن ملك العرب جبار بن مهنا بالقود من جهة أبيه على العادة، فاعتقل بقلعة دمشق، فزاد الشر وكثر الفساد، وأخذت التجار والبريدية نهارا، فجهزت إليهم العساكر الشامية فخرجوا في رابع ذي الحجة مع النائب الأمير سيف الدين قشتمر فتسحب بعدهم بليلتين صولة المذكور من برج الطارمة بمن معه من جماعته، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، فأرسل في أثرهم فلم يوقع لهم خبر، ورجع العسكر إلى دمشق ولم يكن بينهم وبين العرب قتال.
ولما بلغ الأمير سيف الدين يلبغا ذلك، تنمر على نائب القلعة الأمير زين الدين فعزله وأمر بضربه فضرب بدار السعادة، واستقر على نيابة القلعة الأمير سيف الدين بهادر العلائي، وسمر من كان مترسما على صولة من القلعية وأشهروا على جمال.
ومات القاضي الإمام العالم الصدر الرئيس الكامل قاضي العساكر الحلبية ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي ثم الدمشقي الشافعي. ولد بحلب، وسمع ابن النصيبي وغيره، ودرس وولي كتابة السر بحلب، ثم نقل إلى دمشق، فولي كتابة السر بها، ومشيخة الشيوخ، ودرس بالناصرية والشامية الجوانية، ثم صرف عن ذلك بشيخنا القاضي أمين الدين بن القلانسي، وأعيد إلى حلب على كتابة السر بها، ثم عاد في العام الماضي إلى دمشق على جهاته، وكان دينا، فاضلا، عفيفا، نزها، عديم الشر، تام العقل. توفي في ذي القعدة. وتولى بعده تدريس الناصرية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين أبو حامد السبكي، وتدريس الشامية الجوانية قاضي القضاة بدر الدين السبكي.
ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش الإسلامية سيف الدين طاز بن عبد الله الناصري أحد الشجعان والأبطال وأكبر أمراء الدولة في سنة خمسين وما بعدها، ولما حج بيبغاروس نائب مصر في أيام الناصر حسن سنة إحدى وخمسين، أردفوه بالأمير سيف الدين طاز، فساس الأمر وتلطف بالأمير يلبغا غاية التلطف، ولما وقعت الفتنة بمنى ذلك العام، قبض على الملك المجاهد صاحب اليمن، وعلى رميثة صاحب مكة، وعلى طفيل صاحب المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقدم بالجميع إلى مصر من غير تكلف حتى وطئوا بساط السلطان.
ثم ولي نيابة حلب في سنة خمس وخمسين كما تقدم، ثم عزل واعتقل بالكرك، ثم أحضره السلطان إلى القاهرة فكحله واعتقله بالإسكندرية، ثم أخرج إلى القدس الشريف فأقام أياما ثم حضر إلى دمشق فمات بها في العشرين من ذي الحجة.
وفي هذا العام نقض أهل ملطية وثاروا على نائبهم فخرج إلى حلب وجهز إليهم عسكرا.


سنة أربع وستين وسبعمائة
وفي صفر منها، طلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين السبكي إلى مصر على البريد، وأعيد إلى وظائف الشيخونية، والشافعي، والجامع الطولوني، وفتيا دار العدل. وسئل سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي - فسح الله في مدته - في العود إلى قضاء الشام على عادته فلم يجب، حتى روجع في ذلك مرات فعاد بحمد الله تعالى إلى دمشق قاضيا على عادته، ودخلها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر، فقرت برؤية وجهه العيون، وسر بقدومه الناس أجمعون. وكان يوم دخوله إلى دمشق كالعيد لأهلها، وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حال شهيرة من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعام، ويتبرك بمجالسته ذوو السيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون العلم على أبوابه، وتمسح العامة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه. فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله.
وفي خامس عشر شعبان، خلع السلطان الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وولي عوضه الملك الأشرف شعبان ابن الأمير حسين بن الناصر محمد بن قلاوون.
وفي شهر ربيع الأول توفي الأمير حسين ولد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو آخر من بقي من أولاده الذكور لصلبه.
وفي يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر توفي بدمشق بالعادلية الكبرى القاضي قطب الدين محمد بن عبد المحسن بن حمدان السبكي الشافعي قاضي حمص. مولده سنة ست وثمانين وستمائة. وسمع الحديث في سنة أربع وسبعمائة. وبعدها سمع بالقاهرة من الشيخ علي بن محمد بن هارون التغلبي، وأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الحبوبي وغيرهما. وسمع بمكة من الشيخ عز الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الشيخ أبي عمر، وشهاب الدين أحمد بن الشجاع عبد الرحمن الصرخدي. وحدث فسمع منه سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي وروى عنه وهو حي. وسمع منه جماعة آخرون. وكان قد حضر إلى الشام في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فولاه الشيخ الإمام قضاء حمص، وتدريس النورية، والمجاهدية، والخطابة بها، فاستمر بها نائبا عن الشيخ الإمام، ثم عن ولده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أيده الله، وهكذا إلى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فنقله سيدنا قاضي القضاة تاج الدين باختياره إلى قضاء بعلبك، وتدريس النورية بها، فأقام بها على ذلك نحو شهرين، ثم أعاده إلى حمص على عادته المتقدمة فأقام بها إلى صفر من هذه السنة، ثم خرج منها ودخل دمشق لتلقي سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي فسح الله في مدته، فعرض له مرض وعزل نفسه عن القضاء، واستمر على تدريس النورية وحدها. وأقام مريضا إلى أن توفي في التاريخ المذكور رحمه الله. وكان رجلا صالحا، كثير التلاوة للقرآن، حسن الحفظ له، يختم في اليوم والليلة، وكان ينقل مذهب الشافعي جيدا، وكان معروفا باستحضار الحاوي الكبير للماوردي، ولا يدري من العلوم شيئا سوى الفقه. تفقه على الشيخ صدر الدين السبكي، ولازم حلقة الشيخ الإمام بعد العشر وسبعمائة.
وتوفي بدمشق شيخنا بدر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمود بن أبي القاسم ابن الزقاق المغربي الأصل، الدمشقي المولد، والمنشأ، والدار والمعهد. الكاتب، الرئيس، المسند، المكثر، الشهير بابن الجوخي، وكانت وفاته في الحادي عشر من رمضان عن بضع وثمانين سنة. ونعم الرجل كان.
وفي شوال، صرف الأمير سيف الدين قشتمر الناصري عن نيابة الشام وأقر على نيابة صفد. وولي عوضه نيابة دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الناصري، فتوجه من حلب إليها، ودخلها يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة.
وفيه صرف القاضي جمال الدين بن الأثير عن كتابة السر بدمشق وعن مشيخة الشيوخ بها، وتوجه القاضي فتح الدين محمد بن إبراهيم بن الشهيد إلى القاهرة وتولى الوظيفتين المذكورتين عوضا عن المذكور. وعاد إلى دمشق وكان دخوله إليها في يوم الثلاثاء الثاني من ذي الحجة.
وفي هذا العام وقع الطاعون العام وكان ابتداء وقوعه بدمشق في شعبان.
وتوفي بالقاهرة القاضي شهاب الدين أحمد بن يس بن محمد الرباحي المالكي قاضي حلب.
وبالقدس شيخنا الزاهد القدوة المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، ابن أخي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة. وكان ذا حظ من الخير جاور بالمساجد الثلاثة المشرفة مدة. وكانت وفاته في ذي الحجة بعد أن ثقل سمعه.
وبدمشق الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي، المقرئ المجود، النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء بتربة أم الصالح وبالأشرفية، ومدرس القليجية والعادلية الصغرى. وولي بعده التدريس بالعادلية الشيخ جمال الدين محمد بن الحسن الحارثي ابن قاضي الزبداني. وولي تدريس القليجية الشيخ شهاب الدين أحمد بن الزهري. وولي أم الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان المقرئ، وولي التربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار. وكان مولد المذكور ببعلبك في سنة ثمان وتسعين وستمائة. وانتقل إلى دمشق، فاشتغل بالعلم وتلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الحسين بن سليمان الكفري الحنفي، وأخذ عن الشيخ مجد الدين التونسي. وناب في الحكم لقاضي القضاة شهاب الدين بن المجد. وسمع من الشيخ شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي، وعلاء الدين علي بن إبراهيم بن داوود بن العطار وغيرهما. وباشر وظيفة إفتاء دار العدل بدمشق مدة، وخلفه فيها صهره شهاب الدين أحمد بن الزهري المتقدم ذكره، وكان موته في رمضان.
وشيخنا القاضي الأديب صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الألبكي الشافعي. كاتب السر بمدينة حلب، ثم وكيل بيت المال بدمشق. سمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وروى بدمشق وحلب، وألف كتبا كثيرة في عدة فنون. وكان من بقايا الرؤساء الأخيار. وولي الوكالة بعده الشيخ جمال الدين أحمد بن الرهاوي الشافعي، وكانت وفاته ليلة العاشر من شوال. ومولده تقريبا في سنة ست وتسعين وستمائة.
والأمير صلاح الدين خليل بن خاص ترك الناصري أحد أمراء الحلقة الشامية بدمشق، وكانت وفاته يوم الاثنين سلخ ذي الحجة. وكان راغبا في أهل العلم، محبا لكتبه، جامعا لها.
والصاحب تقي الدين سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن مراجل الدمشقي، الرئيس الأمين، ناظر الجامع الأموي. وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وباشر كثيرا من الجهات الديوانية. وحدث عن أقش الشبلي وولي نظر الجامع بعده القاضي علاء الدين علي بن عثمان بن شمر نوح الشافعي. وكانت وفاته ظاهر دمشق.
وشيخنا الإمام العلامة الزاهد القدوة بهاء الدين أبو الأزر هارون، الشهير بعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد المولى الإخميمي المراغي المصري، ثم الدمشقي الشافعي. وكان بارعا في المعقولات، تخرج بالشيخ علاء الدين القونوي، وروى لنا عن يونس بن إبراهيم الدبابيسي. وألف أشياء منها الكتاب المنقذ من الزلل في القول والعمل، وكان يؤم بمسجد درب الحجر، ودفن بزاوية ابن السراج، بالصاغة العتيقة داخل دمشق بالقرب من سكنه، رحمه الله.
وشيخنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن صالح بن العرضي الدمشقي التاجر المسند الخير. روى لنا عن ابن البخاري، وابن الزين، وابن المجاور، وزينب بنت مكي، وغيرهم. وحدث بجميع المسند للإمام أحمد بن حنبل. وكانت وفاته في شوال بالإسكندرية عن خمس وثمانين سنة.
والقاضي أمين الدين محمد، بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن علي السلمي المسلاتي المالكي المكنى أبا حيان. وكان في أول أمره شافعي المذهب ثم صار مالكيا. وناب في الحكم عن عمه سيدنا قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي. وسمع معنا بدمشق ومصر من جماعة كثيرين. وكان من القضاة المشكورين، كثير التواضع، حسن السيرة. وكانت وفاته بجديا من غوطة دمشق. وحمل منها ودفن بخارج باب الصغير بدمشق رحمه الله. وذلك يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال. وباشر نيابة الحكم بعده القاضي أمين الدين محمد بن علي الأنفي المالكي.
والأمير ناصر الدين محمد بن صلاح الدين عبد الله بن عبد الوهاب بن فضل الله العمري. أحد الجلة من أمراء دمشق. باشر شد الأوقاف بها مدة. وروى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم وجماعة. وخرجت له مشيخة وقرأها عليه مخرجها فلم يقدر لي السماع منه. وكان مشكورا، موصوفا بالخير. وكانت وفاته بأدنة من أعمال أنطرسوس في ذي القعدة.
والخطيب الإمام العلامة القدوة جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم ابن جملة المحجي الأصل الدمشقي الشافعي أحد الأعيان. تفقه بعمه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة. وروى عن جماعة. ومن شيوخه القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة الحنبلي. وناب عنه في الحكم يوما واحدا. ودرس بالظاهرية البرانية، وأعاد بعدة مدارس، وأفتى وشغل وألف كتبا كثيرة. وكان ملازما لبيته، مشتغلا بما يعنيه، محبا للفقراء، دينا، صينا. وباشر خطابة الجامع الأموي بعد الشيخ تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني. وكانت وفاته في العشرين من رمضان. وولي الخطابة بعده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي أمتع الله به. وكان مولد الخطيب جمال الدين في سنة سبع وسبعمائة. وكانت جنازته مشهودة.
والأصولي الإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن الإسنائي الشافعي، أخو شيخنا العلامة جمال الدين عبد الرحيم الإسنائي. وكان ينوب في الحكم بالصالحية من القاهرة، وكانت وفاته في شهر رجب.
وصلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الداراني الأصل، الدمشقي، الكتبي، الصوفي، الخازن، المؤرخ. روى عن الحجار وغيره. وجمع تواريخ وغيرها. وخلف جملة كثيرة. وكان في أول أمره فقيرا مدقعا. وكانت وفاته في رمضان، ودفن خارج باب الصغير ظاهر دمشق.
والصاحب جلال الدين أبو القاسم ابن الأجل الحلبي الأصل. وكان قد باشر عدة من الوظائف الديوانية. وكان عنده تواضع ومحبة لأهل الخير. توفي بالقاهرة.
والشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي الشهير بابن الربوة، مدرس المقدمية بدمشق، وخطيب جامع يلبغا ظاهر دمشق. وكان فقيها، مفتيا، ذا مروءة. وولي خطابة الجامع المذكور بعد سيدنا قاضي القضاة جمال الدين يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد الكفري الحنفي.
والصدر الرئيس علاء الدين علي بن أبي بكر بن محمد بن الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. أحد الموقعين بدمشق. وكان شابا، ساكنا، متواضعا.
والصدر شمس الدين عبد الرحمن بن عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي. روى لنا عن القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وعيسى المطعم وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم، وغيرهم.
=====


===


====================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة قانون الحق مكررة مشمولة

قال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة ...